السبت، 3 مارس 2018

مقال عن كتاب: مهندسو الخيال العلمي

روايات ترسم المستقبل مع “مهندسو الخيال”


عبد الحفيظ العمري

 29 نوفمبر، 2016 - 5:57 م
كم الفارق بين العلم والخيال؟
الإجابة التقليدية أن الفارق شاسع، ويظل الخيال هو الأكبر اتساعا من العلم الذي يلاحقه.
صحيح، لكن مع التقدم العلمي الرهيب الذي يكتسح حياتنا المعاصرة أظن أن الفارق 
يتضاءل عاما بعد عام وأصبح العلم يقدّم تكنولوجيا تفوق التخيل نفسه!






لكنه في الوقت نفسه يُعطي للخيال دفعة لولوج آفاق أوسع، فيتطور الخيال البشري 
ويطمح أكثر مع تقدم العلم.
حول العلم والخيال يصحبنا المهندس ياسر أبو الحسب في كتابه الشيق 
(مهندسو الخيال) – الذي صدر حديثا –من خلال 11 فصلا تتحدث 
عن العلم عبر رواد الخيال العلمي المبدعين؛ فتقرأ في هذا الكتاب أسماء شهيرة
 أمثال جول فيرن وهربرت جورج ويلز وآثر كلارك وغيرهم.
مؤلف الكتاب يستخدم الخيال العلمي كقناع لعرض العلوم الحديثة على طبق 
من أدب روايات شهيرة؛ فهو لا يعرض رواية الخيال العلمي لمجرد الرواية، 
بل يعرض الأسس العلمية التي استندت عليها.
دعونا نقوم بجولة داخل هذا الكتاب…
ففي مقدمة الكتاب يتحدث عن (خيالهم وخيالنا) – يعني العرب والغرب- من خلال 
الحديث عن الخيال الإنساني المميز لنا ككائنات عاقلة عن باقي كائنات الكوكب، 
ثم ينتقل إلى انبعاث العلم الحديث في عصره النهضة بالذات في عصر العالم 
جاليليو بدايات العلم التجريبي التي يعبّر عنها الكاتب بقوله ” تحرر بعد ذلك 
نهرالعلم من سدوده القوية ومضى يسقى أرض البشرية العطشى”.
ثم ينتقل للحديث عن ظهور أدب الخيال العلمي ودوره في التنبؤ بالمستقبل 
ثم انتقال  دوره إلى صناعة المستقبل حرفيا،وحين يلتفت الكاتب إلينا 
– نحن العرب – ويرصد ركود الخيال العلمي لدينا، فيعرض أسبابه في 
التخلف العلمي 
والمعلوماتي الذي عاصرته أمتنا من أواخر العصور الوسطى، وأجواء كبت 
الحريات والاستبداد والفقر وغيرها من الظروف الاجتماعية والسياسية التي 
تقتل الخيال الخلّاق وتعلقه على مشانق هموم الحياة الشاقّة.
يحضرني هنا عن الفارق بيننا وبينهم ما كتبه الروائي اليمني مروان الغفوري 
في روايته جدائل صعده ” جول فيرن الروائي الفرنسي شديد الحدس تخيّل في
 القرن التاسع عشر أبراج باريس السكنية والطائرات وحتى المصاعد.
في عام 1905 مات فيرن، في العام نفسه مات الإمام محمد عبده، بعد موت 
فيرن ظهرت الطائرات والمصاعد، ومات الإمام محمد عبده إلى الأبد، لم يعشْ 
محمد عبده بعد موته كما يفعل فيرن الآن،دلّ الرجلان على الطريق، فعاش
 أحدهما ودفن الآخر” .

فصول مهندسو الخيال
بعد المقدمة تتلاحق فصول الكتاب الأحد عشر؛ ففي الفصل الأول 
(حياة ما بين النجوم) عرض الكاتب لفيلم “ما بين النجوم Interstellar”، 
وربطه بالنظرية النسبية لآينشتاين، ومسألة الثقوب السوداء، ثم يعود إلى الفيلم 
ثانية  ليعرض السلبيات العلمية فيه قائلا ” لا يجب أن ننسى أن إنترستيلر فيلم
 (ورواية لاحقا) خيال علمي، يخضع كغيره لعوامل أخرى غير علمية
 لغرض الإثارة والحبكة الدرامية، لذلك لابد أن نجد بعض “السقطات العلمية”،
 كإمكانية الحياة داخل الثقب الاسود كما فعل “كوبر”، إذ أن الجاذبية داخل الثقب
 الأسود مريعة!”.
ثم يعّرج الكاتب على الجزر الأسطوانية الفكرة التي قدمها جيرارد أونيل في 
كتاب صدر له عام 1976م حول استعمار الفضاء وإمكانية السكن فيه، ليختتم 
الفصل بقوله “هل ستكون نجاة البشرية في المستقبل البعيد في خروجها من الأرض؟ 
هل سنهجر وطننا الأزرق، لنتجه لكوكب آخر نكمل عليه مسيرة الحضارة البشرية؟ 
مجرد التفكير أنه في يوم ما سينظر أحفاد أحفادنا للسماء، محاولين تبين شكل كوكب
 الأرض الذيلا يعرفون عنه شيئا، مجرد التفكير بذلك يصيبني بالدوار!”.
في الفصل الثاني (عام 107208 ميلادية!) نلتقي مع ويلز في روايته الشهيرة 
“آلة الزمن”؛ التي يستخدمها الكاتب كقناع لعرض معضلة الزمن والنظرية 
النسبية الخاصة وتمدد الزمن، والثقوب الدودية والصعوبات حول السفر عبر 
الزمن التي منها (مفارقة الجدة) التي تنص ” هب أن أحدهم استطاع أن يسافر
 للماضي ليقتل جده، كيف سيكون موجودا هو نفسه إذا كان والده لم يوجد؟! “.
أما في الفصل الثالث (أراض جديدة) فنعود لموضوع مغادرة الأرض؛ حيث
 ستكون الكواكب الأخرى مسرحا للأحداث من خلال رواية ويلز “حرب العوالم”
 و”موعد مع راما” لآرثر كلارك واختيار كوكب المريخ كبديل، وكذلك 
اختيار كوكب الزهرة البديل الآخر.
في الفصل الرابع (مهندس الخيال الأكبر) يأخذنا الكاتب لنتعرّف على 
الرسام الشهير ليوناردو دافنشي من زوايا جديدة؛ إنها زوايا العلم!
دافنشي يقول “كل معارفنا كان لها أصل في مخيلاتنا”، وهنا يقدّم الكاتب 
أفكار وتخيلات دافنشي في الفن والفلسفة والعلوم الموجودة في 130000 
صفحة كمذكرات ملأها هذا الأخير بالرسوم التوضيحية؛ ومنها تصميم 
لهليكوبتر وطيارة مجنحة وفارس آلي وغيرها.
في الفصل الخامس (ومرّ الليل) نكون مع رواية جول فيرن الشهيرة 
“من الأرض للقمر” التي من خلالها ينفذ الكاتب للحديث عن ارتياد الفضاء 
منذ بدايات القرن العشرين مع “قنسطنطين تسيولكوفسكي” ووسيلة الصاروخ
 للتنقل عبر الفضاء، حتى كواليس مشروع أبولو وصاروخ ساترون5 والذهاب 
إلى القمر في ستينات القرن العشرين، مع التعريج على نظرية المؤامرة، 
وتمنيّت لو أن الكاتب أورد مراجع للفقرة التي يقول فيها “ولكن أغلب العلماء 
والآراء العلميةالتي يعتد بها أثبتت بالفعل صعود الولايات المتحدة الأمريكية 
على سطح القمر في رحلة القرنالعشرين”.
وينتهي الفصل بمقطع أدبي جميل يقول “من مليارات السنين، يدور ابن الأرض البارّ،
 قمرها وقمرنا العزيز، حولها في ثبات وتؤدة، مقصِّرا أيامها يوما بعد يوم 
بسبب جاذبيته. كان الابن، على طول تاريخ البشرية، من أكثر الأجرام السماوية
 التي جذبت مخيلة البشر بحكم حجمه الكبير بالنسبة للأجرام الأخرى، 
ولنوره الفضي الصافي الذي تغزل به العشاق والمحبون في أحبتهم 
وعشاقهم. الآن صار القمر أقرب إلينا مما نتخيل، فزرناه، وحتما سنكرر الزيارة”.
في الفصل السادس (أوهام فضائية) نعود رواية “حرب العوالم”مرة ثانية لويلز 
ومحاولات النفاذ للفضاء التي هي أوهام فضائية أم أفكار فضائية؟
ثم يعرّج الكاتب على التلسكوبات والنظر للمريخ وفكرة برسيفيل لويل وقنوات 
المريخ المائية، والإشارات القديمة للأطباق لطائرة والتشكيك بها، ليختم الفصل
 بالحديث عن خطأ آينشتاين في نفي تمدد الكون كما بينت نظريته النسبية العامة.
لينهي الكاتب الفصل بقوله” إن الخطأ، هو شعلة التقدم وإن بدا عكس ذلك. 
هو الجندي المجهول الذي يقف خلف أعظم النظريات العلمية من خلال تصويبات 
لاحقة.. فلولا الخطأ ما كان الصواب. ومن لم يُخطئ لم يصب”.
في الفصل السابع (مِنْ هناك) يبدأ بعرض رواية مايكل كرايتون”سلالة أندروميدا” 
لتكون قناع الكاتب للحديث عن فكرة انتقال الحياة من مكان لآخر في الكون، 
ويعرض لنظرية الرسول والاتصال باستخدام كائنات عضوية التي يعلق عليها 
الكاتب مازحا ” لذا لو سقط فوق منزلكم أي من تلك الأحياء، فاعلم أن هناك 
رسالة محمولة في أحشائه من حبيب في مجرة “أندروميدا” إلى محبوبته القاطنة 
في ضواحي مجرة “درب التبانة”، احرص على توصيلها لها! “.
ومن ثم الحديث عن البذور الكونية واحتمالية وصول هذه الأحياء إلى الأرض
 في الظروف الفضائية الصعبة.
لكنه يتساءل: ماذا عنا نحن؟ هل كان أصل الحياة البشرية خارجي وانتقل 
يوما للأرض بطريقة ما؟
في الفصل الثامن (أعطني حريتي) نلتقي مع كاتب الخيال العلمي إسحق أزيموف
 في روايته “رجل المائتني عام”– التي حولت لفيلم – وتتحدث عن حرية الروبوت،
 ليحدثنا الكاتب عن فكرة الذكاء الاصطناعي وتطوره من ديكارت حتى لايبنتز، 
ويعرض لقوانين أسيموف الثلاثة عن الروبوت، ومن ثمّ ما قدمه العالمان روجر
 بنروز وكورت جودل عن القضايا التي تمنع الآلة أن تصل لذكاء البشر، وكذلك 
مشكلة الوعي البشري وآراء هكسلي وهوكينج، وأيضا التأثير السلبي على 
الذكاء البشري الذي تقدمه الآلات.
ولأول مرة يستشهد الكاتب بروائي عربي في هذا المضمار؛ إنه صبري موسى 
في رواية “السيد في حقل السبانخ” !
ويختم الفصل بالتحذير الذي قدّمه العلماء من تفوق الآلة في الذكاء على الذكاء 
البشري بقولهم” الوصول لذكاء اصطناعي مماثل لذكاء الإنسان ربما يكون 
الحدث الأهم في تاريخ البشر، وربما يكون الأخيركذلك “.
في الفصل التاسع (الغرق في الخيال) نعود لجول فيرن وروايته “عشرون ألف 
فرسح تحت الماء”،لحدثنا الكاتب عن تاريخ بدايات الغواصات، ويعرض 
للرواية باختصار، ثم يعود ليشرحكيف تعمل الغواصات الحديقة.
في الفصل العاشر (ولم يرَ الرجل قدمه!) يبدأ الفصل بسؤال ابن الهيثم كيف نرى؟
ثم تأتي رائعة ويلز رواية “الرجل الخفي”، فيتخذها الكاتب قناعا للحديث 
عن محاولات البشر لتحقيق فكرة التخفي، ولم ينسَ الكاتب أن يورد تعليق
 الكاتب الروسي المشهور ياكوف يبرلمان على قصة ويلز من وجهة النظرالعلمية؛ 
فإن هذا الرجل “جريفين” سيكون أعمى!
ثم يتطرق الكاتب لحلول علمية ومحاولات حديثة لمحاكات فكرة التخفي لدى ويلز.
ليختتم الكاتب الفصل بقوله “لقد قرر الإنسان منذ زمن أن المستحيل أصبح غريبا 
على قاموسه، ووضع في عقلة أنهلابد أن يأتي اليوم الذي يمسك فيه بلجام الكون
 ويسوقه كيف يشاء! هذا إن ظل الكون مسالما ولم يفض به الكيل منا ومن 
فضولنا اللامتناهي!”.
في الفصل الحادي عشر والأخير (ساحر الفضاء) نلتقي مع واحد من عمالقة 
كتّاب الخيال العلمي إنه آثر كلارك الذي يعرض الكاتب سيرته، ثم يقدّم تنبؤات 
آثر كلارك الكثيرة – بالذات ما تحقق منها- كالأقمار الصناعية للاتصالات 
والإنترنت والكمبيوتر الشخصي والآي باد وغيرها.

لمحة عامة
كتاب ممتع، وليس كتاب خيال فقط، بل علم وخيال – وهو للعلم نفس عنوان
 مجلة إلكترونية مميزة يحررها الكاتب نفسه!
لكني تمنيت لو أن الكاتب عرض لسِيَر كتّاب الخيال العلمي المذكورين في 
الكتاب (ويلز وجول فيرن ومايكل كرايتون وغيرهم) كما عرض لآرثر كلارك
 في الفصل الأخير.
كذلك، فقد ذكر الكاتب في نفس الفصل عن آرثر كلارك “ويعد هو وإسحاق 
عظيموف وروبرت هاينلاين أشهر ثلاثة كتاب في الخيال العلمي في القرن العشرين”.
فأين روبرت هاينلاين، لم نجد له ذكر في الكتاب؟
النظرية النسبية لآينشتاين عرضت تكرارا في الكتاب وهذا جيد في ربطها 
بما يناسبها من خيال علمي ارتكز عليها، لكن ألا يوجد لنظرية ميكانيكا الكم 
خيال علمي يرتكز عليها، لأني لم أجد لها ذكر في الكتاب؟
أظن أن عنوان الكتاب جاء من الفصل الرابع مهندس الخيال الأكبر عن ليوناردو
 دافنشي.
كل هذه الانتقادات – إن صح التعبير – لا تقلل من روعة الكتاب الذي جاء مميزا،
 لأنّ عرْض الأفكار العلمية عن طريق قناع الخيال العلمي يعتبر عمل إبداعي
 يخفف من جفاف المادة العلمية، ويجعلها ممتعة للمتلقي بعيدا عن المعادلات 
الجامدة والشروح الرتيبة.
والذي زاد من متعة الكتاب هو الأسلوب الأدبي الذي صاغ به الكاتب كتابه؛ 
وتشهد بذلك العبارات القصيرة التي افتتح بها الكاتب كل فصل من فصول الكتاب،
 وكذلك العبارات التي أوردناها في هذا العرض نهاية بعض الفصول.

رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة

قرأت لك: رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة 1. الحكاية: تحكي الرواية عن عالم في الهندسة الوراثي...