استنساخ السيد المسيح
فكرة استنساخ الأنبياء, ظهرت علي يد
طائفة أمريكية تزعم أنها تعمل من أجل عودة السيد المسيح عيسي بن مريم عليه السلام عن
طريق استنساخه من الحامض النووي.
فهناك علماء أمريكيين يخططون لاستنساخ
المسيح، ويعمل هؤلاء العلماء في مشروع ضخم يطلقون عليه العودة الثانية للمسيح
ويرعاه معهد روزلن في اسكتلندا, وهو مؤسسة غير حكومية تكرس جهودها حاليا لاستنساخ
المسيح , وتعجيل عودته الثانية, بهدف إنقاذ العالم وتخليصه من خطاياه. ويعتقد
العلماء القائمون علي هذا المشروع, أنهم سينتهون من استنساخ المسيح, وسيعتمدون في استنساخ المسيح
علي قطعة من القماش عليها آثار من دم المسيح . وهذه القطعة من القماش التي تسمي
سانتو سوداريو أو القماش المبلل بالعرق المقدس, مثيرة للجدل منذ أن تم العثور
عليها قبل سنة 1687 ميلادية في كنيسة في مدينة تورين الإيطالية ويبلغ طولها4 أمتار
و36 سنتيمترا وعرضها متر و10 سنتيمترات، ويؤكد العلماء أن هذه القطعة هي التي تم
لف جسد المسيح فيها بعد صلبه, ومن ثم تبقت وعليها آثار من دمه, وأن كل ما يحتاجونه
عينة من هذا الدم لأخذ الحامض النووي منه واستنساخ المسيح , بل استنساخ مسيح لكل من
يريد
وأكد علماء هذه الطائفة عبر صفحاتهم
التي بثوها علي الإنترنت, أن كل ما يحتاجونه الآن هو فتاة عذراء تتبرع بأن تكون أما
للمسيح الذي يستنسخونه, ولتقدم للبشرية بعد ذلك أكبر هدية ستعرفها منذ أن مات
المسيح
قبل أن نخوض في تفاصيل استنساخ المسيح
, تعالوا بنا نستعرض وجهة نظرهم الجهنمية في استنساخه وفائدة تعجيل عودة المسيح
بدأت هذه الطائفة صفحاتها بكلمات
بسيطة ومقنعة, فبدأوا خطابهم الموجه لكل المسيحيين, بل لكل أصحاب الديانات قائلين:
أصدقاؤنا الأعزاء نحن نعيش عالم الرذائل المليء بالخطايا والذنوب, التي تراها في
كل مكان في العالم, والتي يمكنك رؤيتها من خلال الحروب والمجاعات والفقر والعنف
والفساد الحكومي والدعارة التي تعرضها القنوات التليفزيونية, وغير ذلك من أوجه
الفساد التي بثها الشيطان في قلوب البشر واستحوذ عليهم
وقد آن الأوان لتخليص العالم من شروره
عن طريق التقدم العلمي في مجال الاستنساخ عن طريق أخذ عينة من الحامض النووي الموجود
للمسيح علي قطعة القماش، إذا تم استنساخ مسيح لكل بيت, بالطبع ستعم الفضيلة,
وسيعرف كل من لديه سؤال الإجابة عنه من خلال طرحه علي مسيحه في بيته الذي يعرف كل
شيء
وعلي طريقة استنساخ النعجة دوللي,
التي يطلق عليها علماء هذا المشروع نعجة الرب فسوف يتم استخلاص الحامض النووي من
آثار الدم الموجودة علي قطعة القماش المسماة بـقطعة القماش المبللة بالعرق المقدس,
وتخصيبه ببويضات أنثي من خلال عملية تعرف بـ النقل النووي ثم يتم بعد ذلك زرع البويضة
المحيطة بالحامض النووي داخل رحم الفتاة التي يشترط أن تكون عذراء حتي تكون حاملة
لإحدي صفات السيدة مريم العذراء
ويؤكد العلماء العاملون في هذاالمشروع
أنه ليس لديهم أدني شك في التوصل إلي استنساخ المسيح , مادام كثير من الكنائس الموجودة
في كل أنحاء العالم بها آثار من جسد المسيح , وهم حاليا يجرون التجارب, وكلهم أمل
أن يتم هذا المشروع حسب تخطيطهم الذي سيخدم العالم, ويضع نهاية لآلامه وشروره
وتعتقد هذه الطائفة أنه لايوجد مانع
أخلاقي ولا ديني يعوق مشروع عودة المسيح عن طريق الاستنساخ, بل إن استنساخ المسيح
أصبح أمرا واجبا دينيا, في ظل التقدم العلمي الذي يشهده العالم, هذا الاستنساخ
الذي تم من قبل للنعجة دوللي ـ نعجة الرب ـ وقد حث الله في كتابه المقدس للسيد
المسيح الناس علي التفكير واستخدام عقولها في إسعاد البشرية بالتقدم في جميع
مجالات الحياة خاصة العلمية, لذا فالاستنساخ ليس حراما, لأنه نتيجة لما حث الله
عليه من التفكير والبحث, واستنساخ المسيح أمر واجب في الوقت الحالي للحد من معاناة
البشرية, ولتقريب مسافة انتظار عودة المسيح
ممكن.. ولكن؟
.وتستمر الطائفة في التبشير والترويج
لمشروعها علي صفحات الإنترنت, مؤيدة وجهة نظرها بتأويل بعض آيات الإنجيل, لتصور
للبشرية أن الإنجيل يحض علي استنساخ السيد المسيح عليه السلام, وما تقوله الطائفة
وما تدعو إليه, مرفوض بالطبع من الوهلة الأولي, لكنه أيضا مثير للجدل والتفكير
الممتزج بالدهشة والشعور بأن العبث بلغ مداه علي هذه الأرض
ورغم كل هذا العبث, إلا أننا نستطيع
أن ننحيه جانبا, فمن المدهش أن هناك من يسأل ويستفسر في مصر عن هذه الجماعة, لدرجة
أن صبيا مسلما لم يبلغ السادسة عشرة يتابع الجديد علي هذا الموقع يوميا ويريد أن
يعرف رأي الكنيسة المصرية في هذا الاتجاه, كما أن فتاة مسيحية مصرية أرسلت للطائفة
أكثر من رسالة تعبر فيها عن رفضها لهذه الفكرة, إذن فهناك جدل قائم يسترعي انتباه
الأجيال الجديدة, خاصة من متصفحي الإنترنت, وإذا كان هناك من يستطيع أن يدرك, فإن
الإدراك صار موهبة نادرة في زماننا هذا.
ومن أسس قيم الإدراك ألا نهمل مناقشة
مثل هذه الدعاوي التي تصل إلي الجميع, وأن نفندها في حينها, وقد يكون من المناسب
أن نبدأ المناقشة من خلال وجهة النظر العلمية
ونبدأ مع د. أميمة خفاجي ـ مدرس
الهندسة الوراثية جامعة قناة السويس ـ وهي تقول: إن الحامض النووي
DNA التي تزعم هذه الجماعة
أنها ستنسخ من خلاله السيد المسيح , أن الحامض هو المادة الوراثية المسئولة عن
صفات وسلوك وتكوين الكائن الحي, ولكي نقوم بالاستنساخ من خلالها, يجب أن تكون هذه
المادة محتفظة بصورتها وخصائصها جيدا, وألا تكون مصابة بأي تلف أو عطب, ولذلك قد
يكون من السهل نسبيا الاستنساخ من العظام لأن المادة العكسية حول العظام تعمل وحول
الخلايا الداخلة في تكوين العظام علي حفظ المادة الوراثية من التلف, وإن كان ذلك يحدث
مع مرور السنين, فيصيبها التلف والعطب, وبالتالي تستحيل إمكانية استنساخ نفس
الكائن بنفس صفاته, لكن قد يحدث مع التطور والتقدم العلمي أن تتوافر لدينا القدرة
علي اكتشاف أي عطب أو تلف في المادة الوراثية, ثم إصلاحه وإعادة المادة الوراثية
إلي صورتها الأصلية, ومن ثم القدرة علي الاستنساخ الكامل.
لكن المادة الوراثية التي يمكن أن
نجدها في الدم, تحمل شكا
كبيرا بأنها قد تكون سليمة تماما, ولم يصبها أي عطب أو تلف, ومن ثم إمكانية
التعبير بصورة دقيقة أو مضبوطة عن الكائن الذي سيحملها, وهذه أول مشكلة وأهم عقبة
في سبيل تحقيق استنساخ المسيح , علي افتراض أن ذلك ممكن من الأصل
والنقطة الأهم من ذلك أنه لو فرض وتم
استخلاص الحامض النووي, المادة الوراثية بصورة صحيحة ودقيقة من دم السيدالمسيح ـ
أكرر لو فرض جدلا ـ وتم زرعها في نواة خلية رحم أنثي, فإن الكائن الجديد المستنسخ لن
يعبر بصورة صحيحة عن الأصل, بل إنه قد يأتي مناقضا تماما, فالمادة الوراثية حتي لو
كانت دقيقة وسليمة تماما, لا تعبر عن نفسها بمفردها, فلابد من تدخل الظروف
الخارجية والبيئة والتربية والمناخ, إلي آخر كل تلك الظروف, وهذه هي أهم نقطة
بالفعل, فربما يستطيعون استنساخ صورة جسدية للسيد المسيح , لكن من المستحيل أن
يحمل نفس صفاته, بسبب تغير العوامل الخارجية، وهذا ينطبق علي أية عملية استنساخ
بشري, إذن فهي عملية مستحيلة علميا.
وهو نفس ما تؤكده د. سامية التمتامي ـ
أستاذة الوراثة البشرية ـ التي تري أنهم سوف يستنسخون المسيخ الدجال وليس المسيح
عليه السلام, لأن الكائن الذي سيتم استنساخه ـ أي كائن ـ لن يحمل الصفات الروحية
للإنسانية للمسيح, حتي لو حمل صورته البشرية المعروفة, فمن ذا الذي يستطيع أن يصل
إلي تركيبة الروح التي يحملها رسول عظيم مثل المسيح , ونقطة أخري, فإن الاستنساخ
في الأصل يتم من خلايا حية قادرة علي الانقسام, وليس من خلايا ميتة, ومن ثم أستبعد
تماما حدوث مثل هذا الاستنساخ, لأن الـDNA
قديم جدا, والأكثر دلالة علي ذلك أن
عمليات محاولة استنساخ قدماء المصريين من الذين تتوافر مومياءاتهم فاشلة تماما,
رغم توافر الجسد
وفي نفس السياق يؤكد د. عبدالهادي
مصباح ـ أستاذ المناعة والتحاليل ـ أن الاستنساخ الذي صار واقعا علميا حقيقيا يقوم
أساسا علي أخذ الحامض النووي من خلية جسدية حية يكون فيها شريط الجينوم واضحا
وكاملا بعد برمجته وإدخاله في بويضة داخل رحم امرأة, فلم يتم حتي إجراء تجربة
علمية عليه حتي الآن، وهناك ما هو أهم, فمن ذا الذي يضمن أن الدم الذي سيستخدم هو
دم السيد المسيح عيسي عليه السلام, وأن الشخص الذي سيتم استنساخه هو المسيح , باختصار لكي نتحقق من ذلك, لابد أن
يكون لدينا, بصمة وراثية جينية للسيد المسيح , لكي نطابق عليها البصمة الوراثية
للشخص الذي سيتم استنساخه, فالبصمة الوراثية القديمة والحقيقية للسيد المسيح هي التي
ستحكم أولا وأخيرا علي المستنسخ, وفي الحقيقة لا توجد بصمة وراثية حقيقية للسيد
المسيح , ومن ثم لا
يمكن المطابقة ومن ثم التأكد.إضافة إلي ذلك فإن الناحية النظرية للاستنساخ تؤكد أن
وجود الحامض النووي وتحليله لا يعني بالضرورة استنساخ صاحبه, بسبب أن الصفات
الوراثية لن تكون موجودة بأكملها
لكن السيد المسيح .. في السماء
هكذا جاء الرأي العلمي ليهدم نظرية
جماعة العاملون علي عودة المسيح من أساسها وعلي افتراض أنهم حقيقة حصلوا علي
الحامض النووي من دم السيدالمسيح, لكن هل سيترك الله عز وجل دم رسوله السيد المسيح هكذا؟ وهل
يسمح لأحد من البشر بأن يقترب من أجساد الأنبياء, ليعبث بها كما يريد, معاذ الله
سبحانه وتعالي, إن هذا إلا غرور وصلف وجهل كما يقول الأب بسنتي, وهو يتساءل في سخرية
ومرارة إذا كان استنساخهم لحيوان أو غيره, غير آمن, وغير مؤكد, فكيف يصل بهم
الغرور والجهل أن يمس شخص السيد المسيح , وهو ما هو لدي البشرية جميعا مسلميها
ومسيحييها ـ حتي اليهود ـ إننا نرفض مجرد استنساخ إنسان عادي, لأن الإنسان ليس
مجرد كائن حي حيواني فقط, إنما له روح خالدة, والروح عطية من الله, فكيف يجرأون
ويقولون إنهم سوف يستنسخون حتي مجرد إنسان, ثم كيف يصلون للسيد المسيح , إن
الإسلام يعلمنا أن السيدة مريم العذراء هي أطهر نساء العالمين, ، أما المجيء
الثاني للسيد المسيح وعودته, فهو أمر خاص به بالتدبير الإلهي الخاص بالخليقة, لأن
المسيح سيأتي ليدين الجميع كما نري في المسيحية, أما في الإسلام, فإن الحديث
النبوي يقول لاتقوم الساعة حتي ينزل فيكم المسيح عيسي بن مريم حكما مقسطا, والكل
يعلم مركز المسيح في المسيحية والإسلام, وتوقيت مجيئه مرتبط بالإرادة الإلهية. ولا
يمكن لأحد من بني البشر أن يتدخل فيه, يا بني.. وإذا كان الله أعطي للإنسان موهبة
العلم, فلا يجوز أن تنقلب هذه الموهبة علي الله نفسه, وليس صحيحا ما يدعونه أنهم
يفعلون ذلك من أجل الخير ومقاومة الشر, فإن ذلك لا يحتاج إلي استنساخ نبي, إنما
نحتاج فقط اتباع التعاليم السماوية.يا بني إن الله يحفظ أجساد الرسل والأنبياء, ولن يسمح لأحد بالاقتراب منها.
الموضوع نقلا عن التايمز ... وتعليق
صحيفة الاهرام المصريه (( بتصرف ))؟