الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

مناقشة رواية العطر للكاتب باتريك زوسكيند بشعبة الخيال العلمي باتحاد الكتاب

مناقشة رواية العطر للكاتب باتريك زوسكيند بشعبة الخيال العلمي باتحاد الكتاب
********************************************************************
محمد نجيب مطر: اتحاد الكتاب - الساعة السايعة مساءً
ملخص الرواية:
=========
شخص ولد من سفاح، لم تكن له رائحة، أعدمت أمه لشروعها في قتله بعد ولادته، تم تسليمه للكنيسة لكي تربيه، سلمته إلى مرضعة نظير أجر جيد، بعد أيام لفظته المرضعة قائلة أنه ملعون أو ابن الشيطان لأنه بلا رائحة، سلمته الكنيسة لدار أيتام نظير أجر، بعد بلوغه ثمانية سنوات سلم لورشة دبغ الجلود، كانت أنفه حساسة جداً للروائح، فنجح في العمل في أحد معامل المدينة وابتكر أنواع رائعة من العطور نسبت إلى صاحب المكان، رحل للحصول على مزيد من الخبرة في إيطاليا في عصر وتقطير الزهور، وفكر في عمل عمل عطر إنساني يمكنه من التحكم في سلوكيات البشر، لابد أن يأخذه من أجساد البشر، قتل حوالي 25 شابة جميلة واستخلص العطر الأخاذ.
قبض عليه وحكم عليه بالإعدام، في يوم تنفيذ الحكم، سكب نقطة من العطر الساحر فأحبه الجميع، وفجر فيهم طاقة جنسية جعلت النساء يتخلصن من ملابسهن ويمارسن الرذيلة مع أقرب رجل على الملأ، وكذلك فعل الرجال.
تنازل أهالي القتلى عن الحكم وحاكموا آخر وقتلوه بنفس التهمة، فارق البطل القرية وذهب إلى باريس حتى يموت، وهناك وسط الجانجين وقطاع الطرق والداعرات في أكثر المناطق خطورة سكب على نفسه العطر بكثافة فالتف الناس حوله في حالة من الحب والهياج فحاول كل منهم الحصول على جزء منه وأكلوه.
الندوة:
===
بدأت الندوة بتعريف من الكااتب صلاح معاطي للرواية ومؤلفها ، وقال بأن أحس بالزكام فور قراءته للرواية، وأن الكاتب بدأ بكتابة تاسيناريو لبعض الأعمال الأدبية ومسرحية، و لم يصدر سوى روايتين ومجموعتين قصصيتين، وأن أول رواية كتبها كانت تلك الرواية التي كانت سبب شهرته..
ثم أعطى الكلمة للدكتورة عطيات أبو العينين التي قالت أن الرواية رغم روعتها الأدبية ليست من أدب الخيال العلمي، وأنها من الفنتازيا لافتقادها إلى نظرية علمية تتكئ عليها، وقالت بأن الكاتب رسم شخصياته ببراعة.
ثم تحدث الدكتور سلامة تعلب فقال بأن الرواية يمكن أن تكون من أدب الخيال العلمي من ناحية دراستها لحاسة الشم والروائح ويمكن البناء عليها لتصنيع روائح تؤثر في الأشخاص، وأضاف بأن الرواية بها الكثير من الاعادة وكان يمكن اختصار ثلثها على أقل تقدير دون أن يؤثر في بناء الرواية.
ثم تحدث الدكتور حمادة هزاع فقال بأن الرواية بينت بجلاء الفرق بين روعة الوصف إلى فعالية الوصف، فالوصفعند الرواية ليس دقيقاً فحسب بل أنه فعال ومؤثر في الرواية للدرجة التي دفعت الكاتب صلاح معاطي أنه أحس بالزكام، وأضاف أن الرواية من أدب الخيال العلمي لأنها اعتمدت على الظواهر الحسية الفائقة مثل التخاطر ... وهي فرع معترف به في أدب الخيال العلمي.
قال محمد نجيب مطر أن البداية بالنسبة إليه كانت منفرة، وأن الراوي العليم المتداخل في الرواية قد خلع عنه أن الحكاية حقيقية، فيقول هذا ما كان من أمر فلان .. ولنرى ماذا كان من شأن علان ... فيكسر الوهم أو الإيهام بأن الرواية حقيقية، وأضاف بأن وضع البطل متهماً منذ ولادته ووصموه باللعنة لسبب غير منطقي بالمرة، وقال بأن الكاتب أسهب في الوصف لذي يستخدم أصلاً لتهدئة اللهاث وراء الأحداث. .
قال الأستاذ منصور عدلي أنه قرأ تاريخ الكاتب وعلم أنه كان يريد أن يقول للأوربيين أن بدايتكم كانت بهذا القبح، وأن العقلية الأوروبية عقلية صادمة تضع الحقائق و لا تزينها، ولهذا لاقت رواجاً في الغرب، بينما في الشرق لم يأبه لها أحد.
وقال الدكتور سيد نجم بأن الرواية من أدب الخيال العلمي حيث يمكن استخلاص موسوعة متكاملة عن الروائح وكيميائياتها وأنواعها من هذه الرواية، وأن الكاتب استخدم البطل الضد الذي لا يحمل أي مواصفات للبطل التقليدي.
وقالت الكاتبة عبير عبد الله بأن الرواية بديعة في الوصف، لغتها جميلة وأنها مزيج من أدب الخيال العلمي والفنتازيا، وأن البطل كان ينتقم من أمه التي حاولت قتله في المهد، انتقم منها بقتل النساء .


السبت، 24 نوفمبر 2018

ندوة الخيال العلمي بمؤسسة الحسيني الثقافية: رواية غار الجن للهادي ثابت من تونس

ندوة الخيال العلمي بمؤسسة الحسيني الثقافية: رواية غار الجن للهادي ثابت من تونس
**************************************************************************
محمد نجيب مطر : حلمية الزيتون : 45 شارع عين شمس - مؤسسة الحسيني الثقافية
بدأت الندوة بتعريف محمد نجيب مطر الحضور بالكاتب التونسي الهادي ثابت وأول ظهور له في أدب الخيال العلمي حال فوزه بالمركز الأول في مسابقة نهاد شريف لأدب الخيال العلمي وهي نفس المسابقة التي فاز فيها المتحدث بالمركز الثالث، وقال بأن المؤلف رغم لغته العربية الرائعة لم يتلقى تدريساً أكاديمياً عن الأدب العربي وإنما كانت كل دراساته الأكاديمية في الأدب الفرنسي، وأن الكاتب ذهب إلى فرنسا عام 1968 وهو العام الذي شهد ثورة الطلاب ضد الرئيس الفرنسي شارل ديجول وهو من أعظم قادة فرنسا والعالم وأدت إلى انسحابه من الحياة السياسية.
وأن المؤلف قد شارك في تلك الثورة بكل مواقعها وأحداثها، كما شارك في عمل توعية عن القضية الفرنسية في الأوساط الأجنبية في فرنسا، وذهب إلى العراق للعمل فيها وشاهد ضراوة الحرب وتأثيرها المدمر على الإنسان والاقتصاد.
كما اشنرك الكاتب في العمل السياسي فانضم للحزب الديمقراطي الاشتراكي في تونس، وعندما أجس بأن الثقافة يمكن أن تؤدي إلى تغيير أفضل ، بدأ في كتابة الأدب .. لكن رفض دور النشر طباعة أعماله لموقفه السياسي الواضح، اضطر إلى الكتابة في المجال الذي يعشقه وهو أدب الخيال العلمي الذي يمكنه من كتابة ما يريد دون أن يتهم بالخوض في السياسة.
ثم تحدث محمد نجيب مطر عن ملخص للرواية وهي أن مجموعة سياحية تتكون من خمسة أفراد ألمان وسائق تونسي ومرشدة سياحية كانوا في رحلة شيقة ، ولكن ثياب النساء الكاشفة وتبادل القبلات الساخنة أثارت السائق العربي حتى أنه فكر بمغازلة المرشدة السياحية التي تجلس بجانبه.
غضب من الموقف فزاد من سرعة السيارة، وفي أحد المنحنيات ارتطم بالجبل فطارت السيارة في الهواء وانفتح بابها ليقذف السائق والمرشدة الساحية إلى غار في الجبل وتسقط السيارة وتشتعل فيها النيران، يستيقظ السائق والمرشدة السياحية فيجدا أنهما في مستشفى تقوم فيه الروبوتات بدور الطبيب والممرض وتقوم بإجراء العمليات الجرحين.
يجد السائق أنه في حالة عري كامل هو والدليلة السياحية، يخجل من وضعه بينما ترى الألمانية أن الأمر طبيعي.

الغار احتلته بعض الكائنات الفضائية القادمة من قمر قانمار أحد كواكب المشتري، وأن فلسفتهم في الحياة لا تعتمد على غريزة البقاء، بل على غريزة المتعة، انتهى الزواج وتربية الأبناء لتكون العلاقة الجنسية وسيلة للمتعة وفقط الإنجاب وتربية الأبناء أصبحت من مهمام الدولة والأفراد، واختفت الملابس ليكون الجميع عرايا تماماً، وانتهى دور الأديان، وحل التسامح وانتشرت العدالة فلم يعد يسمح لأي أحد الانتقاص من آخر، و لا سلطة لأحد على أحد، تنتهي الرواية بموافقة السالئق والدليلة السياحية على الرحيل للحياة بكوكب قانمار
ثم تحدثت الكاتبة رانيا مسعود على الأسلوب الرائع للكاتب التونسي وأشادت ببلاغته وقدرته الرائعة في التصوير والوصف، وأنها لمست صدقه في الجزء الأول في الرواية التي تتحدث عن الرحلة السياحية لأنها عملت في نفس المجال، وقالت بأن الرواية كان فيها حسن الاستهلال ..
حدثت مناقشات ثرية من الحضور حول توحيد المصطلح العلمي العربي، وحول تأثر الكاتب بالثقافة الفرنسية إلى النخاع، حيث اعتبر العري مقياساً للتقدم الحضاري وهو ما يخالف ثقافتنا وشريعتنا

الخميس، 22 نوفمبر 2018

الهادي ثابت :تجربتي مع كتابة رواية الخيال العلم

الهادي ثابت :تجربتي مع كتابة رواية الخيال العلم
****************************
أودّ في البداية أن أتعرض للأسباب التي دفعتني إلى كتابة رواية الخيال العلمي.حسب تكويني الجامعي لم أكن مؤهلا لكتابة الأدب باللغة العربية. فأنا لم أدرس اللغة العربية وآدابَِها بطريقة أكاديمية، حيث كانت دراستي الأكاديمية مخصصة في اللغة والآداب الفرنسية. ومع ذلك فلم أكن فرانكفونيا أبدا ولا متعصّبا للعروبة كذلك. لكني كنت وما زلت أعتزّ بلغتي العربية ومطلع على آدابها ولغتها. وكنت مولعا بالمطالعة في مجالي الأدب والعلوم، وقد تكونت لي من خلال تلك المطالعات نظرة للدنيا اعتبرتها واضحة. كما أحسست أن نظرتي تلك لا يشاطرني فيها أغلبية الناس من حولي. وشعرت أنه عليّ أن أستجلي تلك النظرة حتى يتسنى لي أقناع الآخرين. لجأت إلى الكتابة كوسيلةٍ لوضع تصوراتي حول الدنيا وأنا في العقود الأخيرة من حياتي. إذن كانت الكتابة لي بمثابة العودة إلى الينبوع والارتواء منه قبل مغادرة هذه الحياة. تجربة وجودية تشبه تجارب الصوفيين، مع الفارق أن الصوفيين يعيشون تجربتهم من خلال الروح والمقدس، وأنا أعيشها من خلال العقل والعلم.لكي نفهم الدنيا لا بد من الخيال ولا بد من العلم. هذان العنصران هما شرطٌ أساسيٌ لكل من له مشروعُ استجلاءٍ لأي مسألة في شمولية الدنيا. ربما كلمة دنيا ليست دقيقة لتعبّر عما سأوضحُهُ لكني أعتبِِرها أكثر دلالة من غيرها. فهي تحتوي على معان كثيرة ربما تكون متناقضة كما هو حال الكون الذي نعيش فيه.الخيال والعلم والأدب أوعية استعرتها لأملأها أفكاري حول الدنيا. الخيال أكثر الأواني الثلاث رحابة فهو يمكنني من خلق عالم جديد مواز للعالم الآني، والعلم يسمح لي بإعطاء عالمي روحه وحيويته ونظامه، والأدب يمكنني من إلباس عالمي الجديد حلله وألوانه ولغته. وهذا هو أدب الخيال العلمي: خيال وعلم وأدب في تمازج وتناسق وانسجام.إذن بالنسبة لي لا يمثل أدب الخيال العلمي هروبا إلى عالم الخيال الغير المحدود والبعيد كل البعد عن العالم الذي نعيش فيه بل هو قفزة إلى عالم مواز له صفات عالمنا لكنه قُدّ بأبعاد أكثر دقّة وأكثر موضوعية من الأبعاد التي نشأ عليها عالمنا. ومشروع العالم الطوباوي الذي كنت أطمح ولا زلت لترتيبه عبر الخيال هو في علاقة غير عضوية مع عالمي الواقعي لكنني تخيلته في صلة قرابة معه.عالمنا (عالم الإنسان على الأرض) جاء نتيجة صراع الإنسان من أجل البقاء. وهنا اسمحوا لي أن أستدلّ بنظريات علمية ما زالت في صدد التمحيص والنقاش لكنها أقرب من غيرها إلى العلم. نظرية التطور لم يعد فيها جدال فقد حسم العلم فيها أمره. لكن نظرية تطور الأجناس وخاصة الجنس البشري ما زالت تثير حساسيات كبيرة حتى داخل بوتقة العلماء. لكني أعتبرها أيضا أقرب النظريات إلى العلم.إذن هذا الإنسان المنحدر من سلالة البشريات ولا القردة وإن كان العلم يصنفهما من جذع واحد، انحرف في مرحلة من مراحل نموّه عن قواعد الطبيعة التي كانت توفّر له كل الحصانة ليعيش حياة حيوانية تستجيب إلى القواعد الصارمة التي جاءت بها الطبيعة لحماية الحياة. وكان ذلك الشذوذ أول لبنة في صرح الحياة البشرية. فحياة الإنسان على الأرض مغامرة كبرى قام بها هذا الكائن الهش ليفرض في الأخير وجوده على الطبيعة وعلى الكائنات الأخرى التي ظلّت تستجيب لقواعد الحياة الطبيعية.هذه المغامرة الكبرى كانت وراء خلق هذا الكائن الغريب الذي جعل مصيره بين يديه ورفض أن يكون طوع الطبيعة، ولكنه اكتسب من ذلك الصراع مع الطبيعة طباعا وتصرفات جعلت منه أكثر المخلوقات الأرضية شراسة، وعدوانية، وجنونا.إنّ عالمنا اليوم وصل إلى مرحلة خطيرة في تاريخ تلك المغامرة البشرية. فلم يعد الإنسان يبحث عن فرض وجوده على الطبيعة بل أصبح يصبو إلى التحكم فيها وتسييرها حسب أهوائه. وخطورة هذه المرحلة تتمثل في أنّ التطور العلمي للإنسان لم يوازيه تطوّر ذهني هام. وأنّ النظم التي بناها الإنسان ليسوس بها حياته لم تشهد تطورا يوازي التطور العلمي. فالنظام الاقتصادي الذي بنا عليه الإنسان حياته ما زال يستجيب لضرورة البقاء، والنظام السياسي الذي مكّن الإنسان من الخروج من البدائية إلى الحضارة ما زال هو أيضا يستجيب لاقتصاد البقاء. والنظام الاجتماعي الذي ولّد الثقافة يعيش تحت وطأة اقتصاد البقاء الذي يكرّس الهيمنة والعسكرة والرضوخ للأقوى.ما زالت إذن دار لقمان على حالها رغم الجعجعة التي أثارتها الاكتشافات العلمية الأخيرة.هذه النتيجة التي اقتنعت بها وتوصّل إليها كثيرون من العلماء والمفكرين جعلتني أفكّر في بناء عالم جديد يستفيد من المغامرة التي قام بها إنسان الأرض ليفرض وجوده ككائن حي توصل إلى الرقي بعقله إلى درجة أنّه صار يصبو إلى خلق العالم من جديد حسب قوانين ربما يستنبطها من خلال معرفته للقوانين التي تسوس عالمنا الأرضي.العالم الذي أخذت أرسم ملامحه في روايات الخيال العلمي التي أكتبها أردته أن يكون متميّزا عن عالم اليوم دون أن يكون كثير الغرابة. فحسب ما أتخيل من الاحتمالات، فسوف يتمكّن التقدّم العلمي من جعل الإنسان يتخطى مرحلة اقتصاد البقاء الذي ما زال يتخبّط فيه إلى مرحلة اقتصاد المتعة. سوف يقلّص تطور وسائل الإنتاج تدخل الإنسان في الدورة الاقتصادية. ونحن نرى اليوم كثيرا من الأشغال التي كان يقوم بها إنسان القرن التاسع عشر أضحت موكولة إلى الآلة. كما أن الحاسوب والروبو وتكنولوجيا الاستنساخ وتكنولوجيا النانو ستبدّل جذريا الهيكلة الاقتصادية للعالم وسينجر عنها انقلاب جذري في الهيكلة الاجتماعية والسياسية للمجتمعات وللعلاقات بين الأفراد. ومع انقراض اقتصاد البقاء بفضل الوفرة التي ستنتجها كل هذه المكانزمات الجديدة التي ما زالت جنينية اليوم سيلد عالم جديد.و من خلال رواية الخيال العلمي أردت أن أتصوّر هذا العالم الجديد.كما أني حرصت على أن لا أقدّم للقراء عالما بعيدا عن عالمنا الأرضي، ولا عالما عجائبي يصعب تصديق وجوده، بل فضّلت أن يكون عالمي على دراية بعالم الأرض، وأن بعض الأرضيين في اتصال مباشر به، وهو ما مكّنني من مقارنة هذا العالم المتخيّل بعالم الواقع، وهي طريقة سمحت بتبيين مواقع الداء في عالم الأرض.في رواية الخيال العلمي الذي أكتبه حرصت على أن تتمتع الرواية بكل مقومات الفن القصصي، وأن لا ينحدر السرد إلى عرض للأفكار أو لمجموعة من المشاهد. كتابتي لرواية الخيال العلمي تستجيب للقواعد الحديثة للسرد، وهي متنوعة. وقد كتبت إلى الآن ثلاث روايات في الخيال العلمي وكل رواية لها طابعها الخاص، وطريقتها السردية التي تمليها ظروف الرواية.فالرواية الأولى، "غار الجن" تتميز بالسرد الأفقي إن صح التعبير، أي هناك راو يستتر يحرك شخوص وأحداث الرواية التي تتبلور حسب ظروف داخلية يفرضها تسلسل الوقائع. وهي الطريقة الكلاسيكية والتي هيمنت على السرد خلال فترات كبيرة من تاريخ الرواية المعاصرة.
بينما في روايتي الثانية "جبل علّيين" فقد التجأت إلى طريقة ظهرت أخيرا في أدب الرواية المعاصرة وهي ما يعبّر عنه بكنش السفر. carnet de voyageبينما في روايتي الثانية "جبل علّيين" فقد التجأت إلى طريقة ظهرت أخيرا في أدب الرواية المعاصرة وهي ما يعبّر عنه بكنش السفر. carnet de voyageوهي عبارة عن مجموعة من المذكرات يجمع بينها التسلسل الزمني للقص.
أما في الرواية الثالثة "لو عاد حنبعل" حيث طغت عليها الأحداث التاريخية الدقيقة استعملت تعدد الرواة، وهو ما مكن من تجاوز العلاقة المتوتّرة بين الماضي والحاضر والمستقبل.
والرواية الرابعة في الخيال العلمي التي هي بصدد الإنجاز بدّلت طريقة السرد مرة أخرى، واستفدت من تجربة رواية "لو عاد حنبعل" لأمضي بعيدا في تعدد الشخصيات الراوية.
رواية الخيال العلمي متجددة دائما لأنها تصبو إلى استشراف المستقبل الذي لا طعم له إن لم يأت بالجديد.
فما هو الجديد الذي سيأتي به المستقبل الذي أحاول استشرافه في روايات الخيال العلمي التي أكتبها؟
انطلاقا من الواقع المتردي الذي عليه البشرية اليوم سيكون من الصعب تصديق تصور زاهر لمستقبل البشرية. ولكن التفاؤل واجب حتى يستجلي الكاتب رؤية مشرقة للإنسانية.
أعتقد أنّ التقدم العلمي والتكنولوجي  الذي انطلق مع القرن التاسع عشر في أوروبا ثم عمّ المعمورة وفرض على الإنسانية نمطا حضاريا قضى أو بصدد القضاء على جميع الأنماط الحضارية التي أصابها الوهن ولم تعد تساير نسق التطور الذي فرضه التقدم العلمي والتكنولوجي الزاحف على كوكب الأرض. هذا التقدم العلمي والتكنولوجي الذي مازال في خطواته الأولى سيفرض على البشرية شكلا جديدا من التعايش لن يكون من السهل استنباطه لأن تطور العقليات سواء لدى ثقافة الغرب الذي يقود اليوم البشرية نحو مستقبل أقل ما يقال عنه أنّه يتّسم بالغموض، أو عند بقية الثقافات التي تعيش تناقضات مميتة جراء رفضها للهيمنة الغربية وتبنيها لإنتاجاتها العلمية والتكنولوجية سيخلق صراعات وانتفاضات ربما تؤدي إلى القضاء على كل الحياة فوق كوكب الأرض.
وبما أن التفاؤل ضروري لتصوّر المستقبل فإنّ ما سيحققه التقدم العلمي والتكنولوجي ربما سيفرض على البشرية قفزة نوعية تؤدي إلى التخلص من عقليات ما سميته "اقتصاد البقاء".أما في الرواية الثالثة "لو عاد حنبعل" حيث طغت عليها الأحداث التاريخية الدقيقة استعملت تعدد الرواة، وهو ما مكن من تجاوز العلاقة المتوتّرة بين الماضي والحاضر والمستقبل.والرواية الرابعة في الخيال العلمي التي هي بصدد الإنجاز بدّلت طريقة السرد مرة أخرى، واستفدت من تجربة رواية "لو عاد حنبعل" لأمضي بعيدا في تعدد الشخصيات الراوية.رواية الخيال العلمي متجددة دائما لأنها تصبو إلى استشراف المستقبل الذي لا طعم له إن لم يأت بالجديد.فما هو الجديد الذي سيأتي به المستقبل الذي أحاول استشرافه في روايات الخيال العلمي التي أكتبها؟انطلاقا من الواقع المتردي الذي عليه البشرية اليوم سيكون من الصعب تصديق تصور زاهر لمستقبل البشرية. ولكن التفاؤل واجب حتى يستجلي الكاتب رؤية مشرقة للإنسانية.أعتقد أنّ التقدم العلمي والتكنولوجي  الذي انطلق مع القرن التاسع عشر في أوروبا ثم عمّ المعمورة وفرض على الإنسانية نمطا حضاريا قضى أو بصدد القضاء على جميع الأنماط الحضارية التي أصابها الوهن ولم تعد تساير نسق التطور الذي فرضه التقدم العلمي والتكنولوجي الزاحف على كوكب الأرض. هذا التقدم العلمي والتكنولوجي الذي مازال في خطواته الأولى سيفرض على البشرية شكلا جديدا من التعايش لن يكون من السهل استنباطه لأن تطور العقليات سواء لدى ثقافة الغرب الذي يقود اليوم البشرية نحو مستقبل أقل ما يقال عنه أنّه يتّسم بالغموض، أو عند بقية الثقافات التي تعيش تناقضات مميتة جراء رفضها للهيمنة الغربية وتبنيها لإنتاجاتها العلمية والتكنولوجية سيخلق صراعات وانتفاضات ربما تؤدي إلى القضاء على كل الحياة فوق كوكب الأرض.وبما أن التفاؤل ضروري لتصوّر المستقبل فإنّ ما سيحققه التقدم العلمي والتكنولوجي ربما سيفرض على البشرية قفزة نوعية تؤدي إلى التخلص من عقليات ما سميته "اقتصاد البقاء".وهنا اسمحوا لي أن أشرح بإيجاز هذه العبارة.يقول فرويد أنّ الإنسان فرض على نفسه نوعا من الاقتصاد الجنسي لينصرف إلى بناء الثقافة ثم الحضارة. ولما كانت حياة الإنسان الجماعية تلاقي صعوبات كثيرة من ندرة في مستلزمات العيش، وتعدد الكوارث والآفات، وانحصار المعرفة والعلم فقد هيمنت على الحياة البشرية منذ بداية تاريخها في تجمعات ثقافية وحضارية عقلية البقاء، ثم اقتصاد البقاء. وهذه السمة وإن تطورت مع تطور المجتمعات أعتقد أنّها ما زالت مهيمنة على عقول البشر حتى بعد التقدّم العلمي والتكنولوجي الذي مكّن البشرية من القضاء على آفات كثيرة –وإن تظهر من حين لآخر آفة تتصدى لها البشرية في تآلف ملفت- للخروج من عقلية اقتصاد البقاء لا بد للعلم والتكنولوجيا أن يتوصلا إلى طريقة بسيطة في مفهومها صعبة التحقيق في الواقع وهي الطريقة التي تتبعها الطبيعة للمحافظة على الحياة وتنميتها. وهي التكاثر عن طريق البرمجة الخلوية.
باختصار شديد: توصلت الطبيعة إلى خلق الخلية وهي عبارة عن برمجة معلوماتية تأخذ في التكاثر حالما تكون الظروف الموضوعية متوفّرة. وهنا أحيلكم على كتاب قيم لجوال دي روني "مغامرة الكائن الحي" الذي ترجمه إلى العربية الدكتور أحمد ذياب. فإذا ما توصّل العلم إلى خلق برمجة خلوية للتكاثر الآلي لمستلزمات الحياة البشرية لن يعود لعقلية اقتصاد البقاء من لزوم. وإذا ما خلف عقلية اقتصاد البقاء عقلية الإنسان المتعايش –انظروا كتاب جوال دي روني "الإنسان المتعايش" الذي ترجمته وسوف يخرج قريبا إذا ما وجد ناشرا جديا- فسوف تتبدّل حياة الإنسان ظهرا على عقب، وسوف تعمّ البشرية حضارة جديدة توحدها وتحمي ثروتها الثقافية المتنوعة.
إذن مع اندثار عقلية اقتصاد البقاء سيجد الإنسان هيكلة جديدة يبني عليها حضارته وثقافاته. وبما أن الإنسان لم يعد مطالبا بالعمل الآلي ليعيش فإنه سيطالب بأشياء أخرى ليكون لحياته معنى وإلا لانحدر إلى الكسل ولا لقي مصير رجل كوكب القردة الذي تصوره كاتب الخيال الفرنسي ... هذه الهيكلة سميتها "اقتصاد المتعة" وهو اقتصاد يسهّل على الإنسان الانصراف إلى الإبداع بكل أنواعه. وهذا النوع من النظام الاجتماعي حاولت ترتيبه في رواية "غار الجن" و"جبل علّيين" وسأبلوره أكثر في الروايات القادمة إن مكنني الزمن من كتابتها.
إنّ كاتب الخيال العلمي عندما يكون له مشروع بناء طوباوية كالتي أنوي بلورتها في روايات الخيال العلمي يعيش في ثلاثة أزمنة في الوقت نفسه. -ربما نعيش كلنا تلك الحالة دون أن نشعر- فهو يخزن الماضي، زاد لابدّ منه لفهم الحاضر. ألم تكن الحضارات التي بناها الإنسان على الأرض نتيجة تطورات اقتصادية واكتشافات علمية وتكنولوجية؟ أليست الحضارة السائدة اليوم على كامل المعمورة نتيجة انتصار النظام الرأسمالي وليد التطور الاجتماعي والاكتشافات العلمية والتكنولوجية في ميادين الآليات ووسائل النقل؟ أليس النظام الامبريالي المهيمن على العالم وليد منظومة اقتصادية تحمل عناوين شتى من اقتصاد السوق ، إلى الشركات المتعددة الجنسيات، إلى العولمة؟ إذن فإن كان الحاضر وليد الماضي فإنه مسموح لكاتب الخيال العلمي أن يستشرف المستقبل من خلال تخيل ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب حتى يتجه التاريخ وجهة يكون الحاضر قد بنا لبنتها الأولى.
حاضرنا وإن نراه مضببا فإنه يتّسم بتسارع الاكتشافات العلمية والتكنولوجية: المعلوماتية التي إن تطورت سوف تسمح بإدارة أفضل للعالم، الروبوتية إن رصدت لها الأموال الكافية فستساعد على خلق وسائل إنتاج جديدة تكون بمثابة اكتشاف المحركات البخارية في بداية  الثورة الصناعية، الصناعات الترفيهية والثقافية وهي في بداية نموّها –لم يمض على نشأتها قرن، وكانت أول عطلة أسداها الأعراف للعمال في سنة 1936 مع حكومة ليون بلوم في فرنسا- ستغيّر جذريا نمط حياة البشر إذا ما توفّر الرفاه للجميع. عندما ننظر إلى سنة 1936 في فرنسا وكيف اكتشف آلاف العمال البحر كوسيلة ترفيهية، وننظر اليوم إلى صناعة العطل عبر العالم نرى مدى التغيير الذي سيحصل في حياة الناس عندما سيطمحون إلى الرحلات الفضائية وتمضية عطلهم على القمر أو المريخ أو قانماد.
أما في الميدان الثقافي فثورة وسائل الاتصال المهيمن عليها اليوم من قبل النظام الامبريالي فسوف تشهد نقلة نوعية مع تطور المعلوماتية. مثال إترنات دليل على بداية نوع من الديمقراطية المعلوماتية. وهذه النقلة ستؤدي إلى تصرف حضاري جديد يجعل من الفرد النواة والمجموعة في الآن نفسه، وقد يؤدي هذا التصرف إلى التلاشي التدريجي للمجتمعات البشرية التقليدية المرتكزة على البِنى الهرمية التي تعتمد تكتل التركيبات الصغيرة من الأسرة إلى العشيرة إلى الأمة. سيكون الفرد مع اكتساح الثقافة المعلوماتية الجزء والكل، فهو الذي يقرر عن طريق الاقتراع، والاستشارة، والمبادرة، والتكتلات الجمعياتية، وهو الذي يسيّر من خلال القنوات المعلوماتية، والجمعيات، ومراكز الأبحاث. وهو الذي يساهم في تنمية المجتمعات من خلال طموحاته، ونشاطه، وفكره.
إذا ما لم يعد يشدّ الإنسان التفكير في مستلزماته المعيشية وانصرف إلى المتعة والإبداع فسيتفتّق عقله على أشياء يصعب تصوّرها. قال بعض العلماء أنّ دماغ الإنسان الحالي لا يشتغل إلاّ بنسبة 50%باختصار شديد: توصلت الطبيعة إلى خلق الخلية وهي عبارة عن برمجة معلوماتية تأخذ في التكاثر حالما تكون الظروف الموضوعية متوفّرة. وهنا أحيلكم على كتاب قيم لجوال دي روني "مغامرة الكائن الحي" الذي ترجمه إلى العربية الدكتور أحمد ذياب. فإذا ما توصّل العلم إلى خلق برمجة خلوية للتكاثر الآلي لمستلزمات الحياة البشرية لن يعود لعقلية اقتصاد البقاء من لزوم. وإذا ما خلف عقلية اقتصاد البقاء عقلية الإنسان المتعايش –انظروا كتاب جوال دي روني "الإنسان المتعايش" الذي ترجمته وسوف يخرج قريبا إذا ما وجد ناشرا جديا- فسوف تتبدّل حياة الإنسان ظهرا على عقب، وسوف تعمّ البشرية حضارة جديدة توحدها وتحمي ثروتها الثقافية المتنوعة.إذن مع اندثار عقلية اقتصاد البقاء سيجد الإنسان هيكلة جديدة يبني عليها حضارته وثقافاته. وبما أن الإنسان لم يعد مطالبا بالعمل الآلي ليعيش فإنه سيطالب بأشياء أخرى ليكون لحياته معنى وإلا لانحدر إلى الكسل ولا لقي مصير رجل كوكب القردة الذي تصوره كاتب الخيال الفرنسي ... هذه الهيكلة سميتها "اقتصاد المتعة" وهو اقتصاد يسهّل على الإنسان الانصراف إلى الإبداع بكل أنواعه. وهذا النوع من النظام الاجتماعي حاولت ترتيبه في رواية "غار الجن" و"جبل علّيين" وسأبلوره أكثر في الروايات القادمة إن مكنني الزمن من كتابتها.إنّ كاتب الخيال العلمي عندما يكون له مشروع بناء طوباوية كالتي أنوي بلورتها في روايات الخيال العلمي يعيش في ثلاثة أزمنة في الوقت نفسه. -ربما نعيش كلنا تلك الحالة دون أن نشعر- فهو يخزن الماضي، زاد لابدّ منه لفهم الحاضر. ألم تكن الحضارات التي بناها الإنسان على الأرض نتيجة تطورات اقتصادية واكتشافات علمية وتكنولوجية؟ أليست الحضارة السائدة اليوم على كامل المعمورة نتيجة انتصار النظام الرأسمالي وليد التطور الاجتماعي والاكتشافات العلمية والتكنولوجية في ميادين الآليات ووسائل النقل؟ أليس النظام الامبريالي المهيمن على العالم وليد منظومة اقتصادية تحمل عناوين شتى من اقتصاد السوق ، إلى الشركات المتعددة الجنسيات، إلى العولمة؟ إذن فإن كان الحاضر وليد الماضي فإنه مسموح لكاتب الخيال العلمي أن يستشرف المستقبل من خلال تخيل ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب حتى يتجه التاريخ وجهة يكون الحاضر قد بنا لبنتها الأولى.حاضرنا وإن نراه مضببا فإنه يتّسم بتسارع الاكتشافات العلمية والتكنولوجية: المعلوماتية التي إن تطورت سوف تسمح بإدارة أفضل للعالم، الروبوتية إن رصدت لها الأموال الكافية فستساعد على خلق وسائل إنتاج جديدة تكون بمثابة اكتشاف المحركات البخارية في بداية  الثورة الصناعية، الصناعات الترفيهية والثقافية وهي في بداية نموّها –لم يمض على نشأتها قرن، وكانت أول عطلة أسداها الأعراف للعمال في سنة 1936 مع حكومة ليون بلوم في فرنسا- ستغيّر جذريا نمط حياة البشر إذا ما توفّر الرفاه للجميع. عندما ننظر إلى سنة 1936 في فرنسا وكيف اكتشف آلاف العمال البحر كوسيلة ترفيهية، وننظر اليوم إلى صناعة العطل عبر العالم نرى مدى التغيير الذي سيحصل في حياة الناس عندما سيطمحون إلى الرحلات الفضائية وتمضية عطلهم على القمر أو المريخ أو قانماد.أما في الميدان الثقافي فثورة وسائل الاتصال المهيمن عليها اليوم من قبل النظام الامبريالي فسوف تشهد نقلة نوعية مع تطور المعلوماتية. مثال إترنات دليل على بداية نوع من الديمقراطية المعلوماتية. وهذه النقلة ستؤدي إلى تصرف حضاري جديد يجعل من الفرد النواة والمجموعة في الآن نفسه، وقد يؤدي هذا التصرف إلى التلاشي التدريجي للمجتمعات البشرية التقليدية المرتكزة على البِنى الهرمية التي تعتمد تكتل التركيبات الصغيرة من الأسرة إلى العشيرة إلى الأمة. سيكون الفرد مع اكتساح الثقافة المعلوماتية الجزء والكل، فهو الذي يقرر عن طريق الاقتراع، والاستشارة، والمبادرة، والتكتلات الجمعياتية، وهو الذي يسيّر من خلال القنوات المعلوماتية، والجمعيات، ومراكز الأبحاث. وهو الذي يساهم في تنمية المجتمعات من خلال طموحاته، ونشاطه، وفكره.إذا ما لم يعد يشدّ الإنسان التفكير في مستلزماته المعيشية وانصرف إلى المتعة والإبداع فسيتفتّق عقله على أشياء يصعب تصوّرها. قال بعض العلماء أنّ دماغ الإنسان الحالي لا يشتغل إلاّ بنسبة 50من طاقاته لأن ظروفه المعيشية، ونشأته داخل نظام اجتماعي كابت للطاقات الإبداعية لم تسمح له بتنمية هذا الجهاز العظيم لدماغ الإنسان.كل هذه التطورات لن تأتي بين عشية وضحاها، ولن تكون عفوية. ستسبقها صراعات بين قوى شادّة وقوى دافعة. وما الصراع الدائر اليوم بين مسيري العولمة ومناهضيها إلاّ عيّنة صغيرة لصراعات آتية ربما تكون أكثر شراسة وأكثر فاعلية.
بقي سؤال لا بد من طرحه. ما هو دورنا نحن كأمة تجمعها ثقافة كانت حضارتها في وقت من الأوقات تسيّر العالم؟
في البداية فلأحدد المفهوم الذي أعطيه للفظتي حضارة وثقافة.
الحضارة هي مجموعة صفات خاصة بالحياة الفكرية والفنية والأخلاقية والاجتماعية والمادية لبلد ولمجتمع ما. وهي حالة من التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي توصلت إليه بعض المجتمعات التي تعتبر مثالا من الرقي يسعى لإدراكه الآخرون.
أما الثقافة فهي مجموعة من الظواهر المادية والأيديولوجية تميّز مجموعة بشرية عن غيرها وتتمثل في التصرفات والعقائد والتصورات الجماعية.
انطلاقا من هذين التحديدين يمكن أن نطرح هذه الأسئلة:
ألم تصبح الحضارة المسماة بالغربية النمط السائد في كامل المعمورة؟ ألم تسعى كل الحضارات القديمة صينية ويابانية وعربية إسلامية إلى تبني هذه الحضارة وبالتالي التخلي عن ميزتها الحضارية؟ ألم تفرض العولمة من خلال صناديق التنمية الدولية والمنظمات العالمية واقتصاد السوق والشركات المتعددة الجنسيات ووسائل الاتصال والاتفاقات الدولية أن تكون الحضارة الغربية هي السائدة في أرجاء المعمورة؟ فنحن في البلاد العربية مثلا نعيش كما يعيش الناس في البلاد الغربية بل نسعى إلى الوصول إلى تبني طريقة العيش تلك. ومن ناحية أخرى فظاهرة رفض الدول الغربية للباس مخالف للباس السائد عندهم هو نوع من رفض التنوع الحضاري.
هذا هو واقعنا اليوم حضارة سائدة على كامل المعمور تسعي إلى جعل نمطها الحضاري الوحيد والأوحد. وقد رضخت جل الشعوب والدول إلى تلك الهيمنة، وأسباب ذلك الرضوخ يرجع إلى قرون من الصراع كانت الغلبة فيه لهذه الحضارة. وإذا ما كنا نحن العرب والمسلمون نقاوم هذه الهيمنة فسعينا على ما أعتقد يهدف إلى إنقاذ ما تبقى من ثقافتنا، لأن حضارتنا توقفت عن النمو، وربما تحجرت وأصبحت معلما من معالم الحضارات البشرية التي ساهمت في بلورة حاضر الإنسان الحالي.بقي سؤال لا بد من طرحه. ما هو دورنا نحن كأمة تجمعها ثقافة كانت حضارتها في وقت من الأوقات تسيّر العالم؟في البداية فلأحدد المفهوم الذي أعطيه للفظتي حضارة وثقافة.الحضارة هي مجموعة صفات خاصة بالحياة الفكرية والفنية والأخلاقية والاجتماعية والمادية لبلد ولمجتمع ما. وهي حالة من التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي توصلت إليه بعض المجتمعات التي تعتبر مثالا من الرقي يسعى لإدراكه الآخرون.أما الثقافة فهي مجموعة من الظواهر المادية والأيديولوجية تميّز مجموعة بشرية عن غيرها وتتمثل في التصرفات والعقائد والتصورات الجماعية.انطلاقا من هذين التحديدين يمكن أن نطرح هذه الأسئلة:ألم تصبح الحضارة المسماة بالغربية النمط السائد في كامل المعمورة؟ ألم تسعى كل الحضارات القديمة صينية ويابانية وعربية إسلامية إلى تبني هذه الحضارة وبالتالي التخلي عن ميزتها الحضارية؟ ألم تفرض العولمة من خلال صناديق التنمية الدولية والمنظمات العالمية واقتصاد السوق والشركات المتعددة الجنسيات ووسائل الاتصال والاتفاقات الدولية أن تكون الحضارة الغربية هي السائدة في أرجاء المعمورة؟ فنحن في البلاد العربية مثلا نعيش كما يعيش الناس في البلاد الغربية بل نسعى إلى الوصول إلى تبني طريقة العيش تلك. ومن ناحية أخرى فظاهرة رفض الدول الغربية للباس مخالف للباس السائد عندهم هو نوع من رفض التنوع الحضاري.هذا هو واقعنا اليوم حضارة سائدة على كامل المعمور تسعي إلى جعل نمطها الحضاري الوحيد والأوحد. وقد رضخت جل الشعوب والدول إلى تلك الهيمنة، وأسباب ذلك الرضوخ يرجع إلى قرون من الصراع كانت الغلبة فيه لهذه الحضارة. وإذا ما كنا نحن العرب والمسلمون نقاوم هذه الهيمنة فسعينا على ما أعتقد يهدف إلى إنقاذ ما تبقى من ثقافتنا، لأن حضارتنا توقفت عن النمو، وربما تحجرت وأصبحت معلما من معالم الحضارات البشرية التي ساهمت في بلورة حاضر الإنسان الحالي.أعتقد أننا كأمّةٌ ما زالت تربطها أواصر الثقافة ملزمون بالانخراط في منظومة الحضارة السائدة، وإنّه علينا أن نعمل على بناء مستقبل للبشرية تسوسه قيم راقية تنبثق من رغبة الجميع، وعمل الجميع، وتطلعات الجميع. وإذا ما أخذ بعضهم يشير إلى ضرورة إصلاح التعليم في كامل دول العالم حتى تسود القيم الإنسانية فلأنّ الأجيال القادمة، رغم كل الظواهر الحالية المعاكسة، سوف تطلب مزيدا من الوحدة، ومزيدا من التنوع الثقافي، ومزيدا من المساواة، ومزيدا من التعايش مع الطبيعة. وهذا لاحظته في إيطاليا منذ سنوات عندما حضرت في التظاهرات المعارضة لاجتماع الدول الثمانية وقد شاهدت في شوارع جنوة جماهير غفيرة قادمة من بلدان عديدة تطالب بالكف عن الهيمنة، وبإرساء قواعد جديدة لتسيير العالم.
هذه أحلامي تجدونها في لباس قصصي داخل رواياتي في الخيال العلميهذه أحلامي تجدونها في لباس قصصي داخل رواياتي في الخيال العلمي

تحصل الكاتب الهادي ثابت علي الجائزة الادبيه كومار الذهبية2004

 الهادي ثابت : جائزة الادبيه كومار الذهبية





تتويج رواية الهادي ثابت «القرنفل لا يعيش في الصحراء» بالكومار الذهبي للرواية المكتوبة بالعربية شكل مفاجأة سارة فبعد عملين روائيين في الخيال العلمي هما «غار الجن» و«جبل عليين» تحول الهادي ثابت الى رواية الخيال الاجتماعي واليومي احدهم علق مازحا «هذا دليل على استحالة كتابة رواية خيال علمي بلغة كفت منذ قرون عن انتاج العلم». - مال الشيحاوي الصحافة 25 - 04 - 2004    

                              الهادي ثابت في سطور 
ولد الهادي ثابت  (الاسم الكامل: محمد الهادي بن ثابت) بتونس العاصمة في 2 ديسمبر من سنة 1942 (وتروي أمّه الجازية بنت الشتيوي بن ثابت نازحة من جبال مطماطة، أنها لمّا ولدته كانت قنابل الأمريكان والبريطانيين تدك مدينة تونس، وقد سقطت على البيت الذي ولد فيه قذيفة هشمت جزءا منه ولم يتبقى إلاّ جزءا من سقف الغرفة التي كانت تصارع في أحد أركانها  عذاب المخاض ورعب الحرب).زاول تعلّمه الابتدائي (يروي أبوه ساسي بن الحاج عبد الله بن ثابت نازح من جبال مطماطة، أنه رغم رغبته في إرساله إلى المدرسة العصرية فإنه لم يفلح في إيجاد مكان له هناك إلا بعد ضياع ثلاث سنوات حيث كانت المدارس العصرية قليلة ومكتظة، فاضطر لتركه بالكتاب ليحفظ القرءان ويتزوّد ببعض مبادئ اللغة العربية)  وتعلّمه الثانوي بتونس العاصمة.
في بداية ربيع 1968 سافر إلى فرنسا لمزاولة تعلمه العالي. (يروي الكاتب أنه حالما حلّ بباريس في بداية شهر مايو من تلك السنة اندلعت ثورة الطلبة الباريسيين والتي تحولت إلى انتفاضة شارك فيها جل شباب الشعب الفرنسي. وقد حضر جل أطوار ثورة الطلاب، ونقاشاتهم، وخطب الفيلسوف جان بول سارتر، ومظاهرة المليون عامل المساندين للطلبة، وشارك في كتابة الجرائد الحائطية التي كانت تعمّ جدران أروقة معاهد وكليات مدينة النور. وشارك في بعث لجان فلسطين للتعريف بالقضية الفلسطينية في الأوساط الطلابية والعمالية بفرنسا.)
في أواخر السنة الدراسية 1972 تحصل على الأستاذية في الأدب الفرنسي المعاصر (يقول الكاتب أنّه اهتمّ كثيرا بالروائي الجزائري الناطق بالفرنسية كاتب ياسين، وقدّم له دراسة أكاديمية حول روايته "نجمة" نال على إثرها شهادة الأستاذية بملاحظة حسن جدا).
عاد إلى تونس (يقول الكاتب أنه قبل الرجوع إلى وطنه زار جل بلدان أوربا الغربية ما عدى البلدان الاسكندينافية) ودرّس بالمعهد الفرنسي (ليسي كارنو) ثم بقابس والزهراء.
وفي سنة 1979 سافر إلى العراق للعمل ضمن اتفاقيات التعاون الفني بين العراق وتونس (يقول الكاتب أن سفره ذلك كان ضرورة خوفا من تتبعات السلطة المحلية التي كان يضايقها نشاطه النقابي المكثف إثر اندلاع الأحداث المأساوية في 26 جانفي من سنة  1978.)
انتدب كأستاذ للغة والآداب الفرنسية بالجامعة المستنصرية ببغداد (يقول الكاتب أنه بينما كان يبحث عن مسكن لائق لأسرته اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، وقد لاحظ خراب الحرب ومآسيها، لكنه لاحظ أيضا مدى صبر العراقيين على تحمل تلك المآسي).
إثر عودته من العراق في نهاية سنة 1982 (يقول الكاتب أنه قبل عودته إلى وطنه قام بزيارة جل البلدان العربية المجاورة للعراق وانتقل على متن سيارته بين تونس والعراق مرتين وتعرّف على تركيا وبلغاريا ويوغسلافيا واليونان وإيطاليا.) عاد يدرس الفرنسية بمعهد الزهراء لكنه اشتغل بالسياسة وانخرط سنة 1985 بحركة الديمقراطيين الاشتراكيين. (يقول الكاتب أنه في صلب تلك الحركة كان يشعر بنفسه معارضا للمعارضة، حيث لم يكن راض عن خطّها الإصلاحي ولا على طريقة عملها التي لم ترق إلى تعبئة الجماهير من أجل إرساء تقاليد ديمقراطية تهيأ إلى إحلال المجتمع المعاصر).في سنة 1995 غادر حزب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وتفرّغ للكتابة الأدبية. لكنه ما زال يناضل من أجل المجتمع الديمقراطي المبني على أسس احترام حقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات والمجتمع المدني في تصورها الواقعي لا ممسوخة في خطاب دعائي لا يمتّ إلى الواقع بصلة. ومن أجل ذلك مازال منخرطا في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان رغم ما تعيشه هذه المؤسسة من تصدعات.
الكتب المنشورة - غار الجن رواية في الخيال العلمي دار سيراس للنشر 1999
- جبل علّيين رواية في الخيال العلمي دار سيراس للنشر 2001
- الفرنفل لا يعيش في الصحراء رواية "واقعية" 2004 تحصلت على الجائزة الأولى للرواية كومار 2004
- لو عاد حنبعل رواية في الخيال العلمي 2005.
نشر بعض المقالات في الأدب في جريدة الصباح التونسية.ترجم مقالا علميا حول الكتابة السومرية نشر بمجلة الحياة الثقافية. اختار الهادي ثابت الكتابة في ميدان الخيال العلمي لأنه يعتقد أنّ مستقبل البشرية موكول إلى التقدّم العلمي الذي لا بد أن ينجزه الإنسان للخروج من المأزق الحضاري الذي تردى فيه نتيجة المفارقة المتمثلة في انبثاق الحضارة العلمية التي أخذت تزحف على حياة البشرية بكل تنوعاتها الثقافية مع بقاء عقلية الهيمنة المتخلفة الموروثة من عهود الصرع الحضاري الطويل بين مكوّنات هذه البشرية. الكتابة في ميدان الخيال العلمي مكّنت الهادي ثابت من بلورة طوباوية يصل فيها الإنسان إلى الرقي المادي والعقلي المتوازن. وهو مشروع يثرى من رواية إلى أخرى. وحتى كتاباته الأدبية التي ليست لها صبغة الخيال العلمي فهي بالأساس تعالج جدلية رقي الإنسان وتخلفه.
 الهادي ثابت ليس شيوعيا بل يؤمن بأنّ المنهج الماركسي قد طبع الفكر الإنساني المعاصر. وليس قوميا بالمعنى الشوفيني العنصري بل يؤمن بأن نوعا من الوحدة العربية، لا بد أن يستنبط، ستكون في مصلحة كل الدول والشعوب التي تتقاسم اللغة والتاريخ والثقافة المشتركة حتى تخرج من التخلف المتعدد الجوانب الذي تتخبط فيه. إنه يؤمن بأن الجنس البشري واحد، وأنّ التجارب البشرية قاسم مشترك لكل البشر، وأن عقلية الهيمنة والاستحواذ والتزمت هي نوع من التخلف الفكري لم يستوعب أصحابة العقلية العلمية التي تسوس العالم اليوم. وهو يعارض العنف كيفما كان مصدره، كما يؤمن بأنّ المقاومة الغير عنيفة لها جدوى ونتائج أكثر من المقاومة العنيفة.

الهادي ثابت هارباً إلى كوكب آخر

الهادي ثابت هارباً إلى كوكب آخر


اتخذ الروائي التونسي الهادي ثابت من كوكب «قانماد» (أكبر أقمار المشتري) فضاءً نصياً لروايته «مدينة النهار الأزلي» (دار سحر للنشر). لكنّه جعله آهلاً بسكان يشبهون سكان الأرض، مع فارق أنهم يمتلكون حضارة تتفوق على حضارة الأرضيين في الميادين كافة. من الواضح أن الروائي كان مهموماً بهذه الإشكالية، فكتب ثلاثية روائية بدأها بـ»غار الجن» (نالت جائزة نهاد شريف، رائد الخيال العلمي العربي)، ثم رواية «جبل علّيين»، وأخيرا «مدينة النهار الأزلي».
يفتتح الكاتب روايته بنص يشير فيه إلى ما يربط الروايات الثلاث، تقريب عالمين مختلفين: عالم الواقع بحرارته، وانفعالاته وأزمنته، وعالم الخيال المبتكر من فكر، وطموحات، بما في ذلك نظرة الكاتب إلى الكون. وابتعد الكاتب عن خلق الصدام بين الأرضيين وسكّان الفضاء، كما هو شائع في روايات الخيال العلمي المنتشرة في الغرب، بل سعى إلى تقريب الهوة بينهما، وجعل عالم الواقع يرقى إلى عالم الخيال. وكانت نهاية الرواية الأولى انفتاحاً على بداية الرواية الثانية من دون المسّ بالحيزين المكاني والزماني للرواية الثانية.
إبراهيم، الشخصية المحورية في الرواية، إنسان أرضي بسيط كان أسيراً لدى سكّان كوكب «قانماد»، وهؤلاء يمتلكون على الأرض مركزاً لأبحاث علمية لم يفطن إليه الأرضيون. وبعدما دخل إبراهيم صدفةً إلى هذا المركز، قرر «القانماديون» إرساله إلى كوكبهم ليعيش تجربة التأقلم مع حضارتهم. إلا أنّ راوياً آخر (قارينا) يتدخّل هنا ليروي جزءاً من الرحلة. قارينا، فتاة تنتمي إلى هذه الحضارة التي سعى إبراهيم لاكتشاف أسرارها. علاقة خاصة تنشأ بين إبراهيم (الأرضيّ) وقارينا، فتاة قانماد التي تُطلعه على قيم حضارتها وحياتها على هذا الكوكب، مما يدفعه إلى خوض مغامرة البحث في جذور هذه الحضارة وتاريخها. إبراهيم وقارينا، الشخصيتان المحوريتان، يتناوبان على سرد تفاصيل الرحلة بين الأرض والفضاء. وشيئاً فشيئاً، يتابع القارئ تطوّر شخصية إبراهيم الذي اختاره الكاتب بسيطاً في معارفه وتجربته ليغدو من ثمّ باحثاً عن حياة أناس يتقدّمون عليه رقياً ومعرفة.

يظلّ إبراهيم مكبلاً بأغلال ثقافة متحجّرة، مهووساً بقضايا الجسد والجنس، كأنّه يريد بذلك التلميح إلى ذهنية البشريين على هذه الأرض، وخصوصاً في المنطقة التي نسكنها نحن.
تأخذك الشخصيات في رواية الهادي ثابت إلى عوالم لم تفكّر في وجودها، لتنغمس فيها وترى ما لم تكن ترغب في رؤيته.
في نهاية الرواية يتشبّع إبراهيم بقيم حضارة «قانماد»، فيتحول من رجل يعيش على السليقة إلى إنسان يبحث عن المعرفة ورقي العقل وفرض الذات الخلاقة: «كنت خالي البال من كل شيء، هنا تعلمت أنّ الناس لا يخافون المستقبل، لكني لم أع جيداً تخوفات زينة. ولم أقابل يوماً رئيسة جمعية بذور الحياة حتى أفهم احتراز زينة عليها. خرجت أتجوّل بمفردي في الحديقة المعلقة. سرت بين مساربها المتشعبة الظليلة، ولم انتبه لكل ما يدور حولي. كان الطقس جميلاً، كما هو دائماً في مدينة النهار الأزلي، وكان النور ينساب من سماء صافية شفافة، لم تكن سماء قانماد زرقاء كسماء الأرض، بل بيضاء مثل سماء الظهيرة في الصحراء. وفجأة غمرتني أصوات تعلو بنداء وكأنه آت من السماء».
تُعرّف هذه الرواية بعالم جديد قد يكون آتياً من غياهب الفضاء الكوني. حاول الكاتب نحت ملامح هذا العالَم في صور سردية جعلته يقترب شيئاً فشيئاً من عالمنا البشري. فحاول أن يصور صراع الإنسان من خلال الجسد في صراعه مع العقل، وهو صراع أرهق الإنسان منذ وجوده، وظل يراوح بين العقل والجسد إلى يومنا هذا. اكتملت إذن مع هذه الرواية حلقات «المسارة»، واكتشف إبراهيم، الشخصية المحورية، عالمه الجديد، لا هو عالم الميتافيزيقيا ولا هو عالم الحداثة ولا حتى عالم ما بعد الحداثة، إنه عالم الوعي بقيمة الإنسان عقلاً وجسداً في تناغم لرفع التحدي الذي يفرضه عليه الكون بغبائه وذكائه، بقصوره وعظمته، بويلاته ورقّته. «ونظرت إلى الأطفال أتفحص الوجوه وهي في وجومها غارقة، ثم لوّحت لهم بابتسامة وحدثتهم عن كوكبي».
تبحث هذه الرواية في قيمة الزمن في السرد الروائي. تطرح الزمن كصورة للواقع وللخيال، وتسعى إلى تراكب الأزمنة، الماضي والحاضر والمستقبل. تعيش الشخصية خارج الزمن الأرضي، لكنها تحمله داخلها، فيتحول إلى صدام الزمن المعيش خارج زمن الأرض، والزمن المخزون من زمان الأرض، وصراع الأزمنة في الرواية المقصود منه هو تعرية حقيقة الإنسان ككائن زمني، لا يمكنه رؤية الواقع إلاّ من خلال الخيال، بما أن الرواية قطعة من الزمن يحاول الراوي إلباسها زمن الواقع.
من ناحية أخرى، يسعى الروائي عبر جدلية الزمن إلى أن يصوّر الواقع الراهن لإنسان الأرض وفي الآن نفسه يستشرف مستقبل هذا الإنسان من خلال راهن أناس «قانماد» الذين يمثلون المستقبل المتخيل للحضارة البشرية الراهنة، وهو يُنبّه إلى أن هذا المستقبل البعيد محفوف بالمخاطر إذا لم يعِ الإنسان خطورة الوضع المتردي الذي أصبحت عليها الحياة على الأرض.
أراد الكاتب لهذا النوع من الكتابة أن يكون تجسيداً لما يُسمى بأدب الرحلة المعاصر، بحيث جاء الأسلوب مختلفاً عن التصوّر الذهني لأدب الرحلة التقليدي. فلا أحداث كبرى، ولا عقدة درامية، إنما هي أحداث تستجيب لانطباعات الشخصية وتحركاتها.
وإذا كانت رواية «غار الجن» تُعرّف بعالم الخيال، فرواية «جبل عليّين» تسبر غور محطات وأماكن غريبة، وتأتي «مدينة النهار الأزلي» لتذهب بنا إلى ذلك الفضاء الواسع الممتد بين الأرض والمشتري. وكما هي العادة في أدب الرحلات، تضمنت الرواية شخصية تمثل الأرضي المتقدم الذي يتطلّع إلى العلم والمستقبل، في مقابل الليل لما له من رمزية الظلمة التي تصيب العقل البشري الذي يرتد بنا إلى الماضي والفكر الماضوي.
يؤكد الهادي ثابت في ثلاثيته هذه أن الإنسان الجديد نتاج العلم الدقيق المراقب بضوابط شديدة لا تجعله يهيمن على عقل الإنسان الذي يكون المنبع والهدف. أناس الفضاء أو «قانماد»، ينمون في أرحام اصطناعية، ويتربون بطرق تجعلهم قادرين على التعايش مع محيطهم البشري والطبيعي. إنها ممارسة حرّة وواعية من دون ضغوط من أي جهة كانت، فالعلم في ذاته لا يخدم الشرّ أو الخير، لكنّ الأهداف التي تضعها هي التي تحدّد الاتجاه، فإما تنتج خيراً أو شرّاً.



الأحد، 18 نوفمبر 2018

الحلم للحياة .. وتشويق الخيال العلمي.. مجموعة السيارة الذكية لمحمد نجيب مطر

الحلم للحياة .. وتشويق الخيال العلمي

محمد نجيب مطر بمجموعته القصصية "السيارة الذكية" يخاطب المنطقة الحدية التي تشمل بشائر المرحلة الشبابية والكبار جميعاً. 
منجزات التقدم العلمي تجعل الإنسان أكثر أماناً وراحة لكنها تفقده قدرته على متعة الاختيار وحرية التصرف
أنسنة الأشياء في مقابل تشيؤ الإنسان
تبدو الحدود الفاصلة في الآداب رغبة في متابعة الدرس الأدبي لتحديد خصائص الأنواع الأدبية، وعطاءات كل نوع، لكن في الواقع تتداخل تلك الأنواع بحسب إضاءات الإبداع التي لا تحدها الحدود، أو تمنعها التنظيرات، وعلي سبيل المثال الأدب الذي تحدث عنه النقاد بأنه يكتب خصيصاً للطفل من سن الوعي حتي سن البلوغ، ففي مرحلة أعتاب الشباب (التي تسمى الطفولة الأخيرة، والتي تمتد من سن الثامنة حتى الثانية عشرة)، نجد أن بعض القصص التي كتبت لتلك المرحلة أقبل علي مطالعتها الكبار مع الصغار (مثال: هاري بوتر)، كما نجد شواهد أخرى تتحدث عن معضلة التعريف ذاته لأدب الأطفال، وشاهد ثالث حول تناول تطور أدب الأطفال: "حيث ظل الأولد يطالعون ما تستجيب لهم عقولهم من أدب الكبار، كما أن الكبار جميعاً يستمتعون أحياناً بمطالعة أعمال صيغت للصغار ويجدون فيها ألفة ورضا".
والمجموعة القصصية "السيارة الذكية" للكاتب محمد نجيب مطر، تقدمت لحلقة نقاشية في أدب الأطفال، وتم التنويه أنها صيغت للبالغين، وكأن الأديب يريد بها أن تخاطب تلك المنطقة الحدية التي تشمل بشائر المرحلة الشبابية والكبار جميعاً، وساهم في هذا التوجيه تلك اللغة السهلة وغير المستعصية، حيث تركز في الأساس على فكرة في القصة، وحبكة مقصودة في ذاتها لإمتاع القارئ وإقناعه بتلك الفكرية المحورية في كل قصة.
الوسيلة الأدبية للقاص تهتم بمحاور القصص وأفكارها عن الإنسانية المعذبة في أغلال القهر والعدوان
كما ساهمت النواحي الشكلية في المجموعة لتشكيل مدخل مهم لقراءة المجموعة، بداية من قطع الطباعة الصغير (كتاب الجيب)، وعنوان جانبى على الغلاف "سلسلة الرعب والخيال العلمي والفانتازيا"، ونهاية باقتناء طريقة الكتابة بفكرة "متعة الحكي"، باعتبار أن روح القصة الفنية "حدوتة" ممتعة وجزلة ومشوقة، ومروراً بتشوبق الخيال العلمي عن رؤية عوالم المستقبل، الممزوجة بسخرية لطيفة ترى الواقع أصلاً وتشير إليه كصورة معكوسة على مرآة هذه العوالم.
إن هذه الأمور مجتمعة تعمد لتشجيع القارئ على المطالعة، وتقريبه من الكتاب القصصي الإبداعي وإمتاعه بها، وعنوان المجموعة "السيارة الذكية" كأنه يشير لميزة تنافسية تسويقية في المنتج الإستهلاكي (السيارة)، ويبدأ القاص مباشرة بالقصة الأولى التي تحمل هذا العنوان، والتي تحمل فكرة أنسنة الأشياء في مقابل تشيؤ الإنسان، فمنجزات التقدم العلمي تجعل الإنسان أكثر أماناً وراحة لكنها تفقده قدرته على متعة الاختيار وحرية التصرف، وكأنه يشير لملمح سياسي لا يغيب عن هذه المجموعة الذكية، بالحديث عن أبوية سلطوية من قبل السيارة لصاحبها تفقده حقه في أن يكون إنساناً، بل يظل خاضعاً لسطوتها وجبروتها التقني، وأرى أن القصة كان يجب أن تنتهي ( ... ثم تنطلق إليه كما ينطلق الطفل وراء أمه) ص 9، وأن آخر سطرين زيادة في القصة.
وتبدو رغبة التوصيل لدى الأديب مهيمنة ففي قصة "البركة" تنتهي القصة أيضاً في آخر أربعة سطور منها بتوضيح ما سبق إيضاحه في متن القصة البارعة التي استعملت تقنية الحلم حول عالم المثال (اليوتوبيا أو اللامكان) حيث اليوتوبيا ونقيضها الديستوبيا ثيمة أساسية في أدب الخيال العلمي لدرجة أن البعض أسماها قصص التنبؤ وأفضل عنها تسمية قصص الاستباق أو الاستشراف العلمي، حيث تنشر صوراً مختلفة عن المستقبل، وهنا في القصة صور مشرقة عن الصحة والمرور والتسوق والنظم الاجتماعية، ولكن بمذاق إيماني لا يخفي على لبيب في القصص، فاستعمال مفردة "البركة" في العنوان تشير للوفرة الوجدانية بالرضا وروعة النماء الذي لا يستهلك أو يستعبد إنساناً، كما أن القصة تشير صراحة لمعني تكريم الإنسانية وقيمة العمل وثيقة الصلة بها وهنا تناص مع الآية الكريمة: {ولقد كرمنا بني آدم} ..... الآية، تقول القصة: "أنت إنسان ... أعظم ما خلق الله بيده .. وفضله على كثير مما خلق .."، ونافذة القصة: "الأرض وطننا جميعاً، لن يهنأ أحد عليها بسلام دون ضمان السلام لكل من فيها، لن يشعر أحد بالأمان طالما ظل واحد فيها مهدداً". ويناظر اليوتوبيا هنا فكرة تقدم مصر العلمي حتي تمثل دوراً مهماً في الحياة البشرية مستقبلاً، وهذه الفكرة أثيرة جداً ونجدها بكثافة هنا وفي أدب رائد أدب الخيال العلمي نهاد شريف.

تحتفي القصص بالقيم البناءة
تحتفي القصص بالقيم البناءة
والإنسانية هي فكرة القاص الأساسية، واالقيمة التي يسعي بمتعة الحكي إلي أنارتها وتخليصها من قيود القهر والانسحاق، فأبطال القصص دائما يقعون تحت قهر اجتماعي وسياسي وتقني، فبدت في القصص لمحة سياسية واجتماعية ساخرة، تُضحك لكنها من لون "الضحك الداكن"، فالبطل القصصي هنا يعاني من ضغط اجتماعي ممثلاً في كونه مجرد موفر احتياجات أسرته لا أكثر ولا أقل، وتستكثر عليه تلك الأسرة المستهلكة بعض متعته في نوادي الأدب.
وفي قصة "البصمة العقلية" نجد المتهم بالحلم (يذكرنا بمسرحية د. جمال عبدالمقصود الحلم في الممنوع أو أكلة وز) حينما وجهت له التهمة (يبدو أنك تميل للمعارضة؟)، فقال: (أنا لا أعارض إلا زوجتي)، وكأن الزوجة سلطة حاكمة لا يمثل معها سوى جانب المعارضة، ويبدو الحلم في القصة وسيلة للخلاص، وسبيلا للفعل، لذلك تعرض البطل بسببها للعقوبة حتى لا تتحول الأحلام إلى إنسانية محققة.
كما تشير قصص أخرى لقهر المفاهيم المغلوطة المغيبة للعقل هروباً من الواقع الأسيف دون محاولة تغييره، وتشير لقهر العدو الذي لا يريد تقدما لأبناء العالم الأخير، فتقوم بإغتيال العلم والعلماء النابهين، وتشير قصتان لقهر الصهيونية الغادرة بالعروبة في فلسطين الذبيحة.
والملمح الساخر يعتلي قمة ذروته بالقصص بقصة الخيال الموغل (الفانتازيا) المعنونة "استنساخ زعيم"، بداية من الملق الزائف من الوزير لرئيس عربستان الطاغية، الذي يعيش حياة كسولة، والذي يقتني ذات الخطاب الكذوب حول رعاية إرادة الأمة، مرورا بطبيعة الشعب التي تسمح بإعتلاء قفاه، فماكينة استنساخ المخلوقات الأوروبية، إذا دخلت خلية المواطن العربي أنتجت من الناحية الأخرى جنين "نعجة"، وخلية الطاغية تنتج جنين "حمار"، والتبرير أن (الماكينة تنسخ الحقيقة وليس الشكل). والقصة أمثولة لا ينساها من يطالعها للمفارقة الساخرة الهائلة في خاتمة القصة الموفقة، لتؤكد أن السخرية تمرغ الظلم حقاً في التراب.
والقصة العلمية المعرفية تتواجد بقوة في المجموعة، وهي أقرب لمرحلة الشباب المبكر، حيث تقدم له المعلومات العلمية بطريقة لطيفة وغير مباشرة، حيث إن هذه المرحلة تمثل مرحلة "الواقعية العقلية" حيث بناء القدرات الذاتية، ومثلت قصة "التفرق موت"، وقصة "المدمس" - والتي نتذكر بهما كتاب مذكرات ذرة للدكتور عبدالمحسن صالح – هذا النوع من القصص التعليمية ولكن لا تغيب عنها قيمة التعاون والوحدة التي تؤسس الحياة.
وتحتفي القصص لا شك بالقيم البناءة، وتعمل على تصحيح المفاهيم وتحريرها من الزيف، والتحذير من مشكلات خطيرة تهدد مستقبل الإنسانية، فتحرير مفهوم "العلم للحياة"، و"الزهد"، تسعي لجعل حياتنا أفضل، وتكسر أغلال الظلام من حول أعناقنا، وكيف يحيا الإنسان حياة صحيحة حيث المفهوم الماسي في قصة "على قدر الحاجة": "المفروض أن يعمل الإنسان على قدر طاقته ويصرف على قدر حاجته"، وإن إنتهت القصة بعد العبارة الماسية بخاتمة إرشادية.
إن خواتيم القصص كما ألمحنا تميل للتأكيد على المتن، وأحياناً إعادة صياغة الفكرة الأساسية بالقصة، وإرادة القاص ألا يفلت قارئه من قصديته، بما يعني أن الوسيلة الأدبية للقاص تهتم بمحاور القصص وأفكارها عن الإنسانية المعذبة في أغلال القهر والعدوان، ففي قصة "العلم في الراس" نجد الإدانة لأسلوب التلقين ومفارقة العلم للحياة العملية والمنافع العامة، ونجد الحكمة "علم بلا عمل كشجرة بلا ثمر" في آهاب قول القصة على لسان الطالب المقهور: "أي أنك تختبر قدرتي على توظيف المعلومات في الواقع العملي"، وهكذا القصة التي تستعين بالخيال والسخرية لدى القاص في تلك المجموعة وسيلة لغاية مناصرة الإنسانية المعذبة.

صفحة عن كتاب: الجانب المظلم للكون: للكاتب جيمس ويفل- ترجمة رؤوف وصفي

صفحة عن كتاب: الجانب المظلم للكون: للكاتب جيمس ويفل- ترجمة رؤوف وصفي
********************************************************************

ينقسم الكتاب إلى أربعة عشر فصلاً ، يتحدث فيها الكاتب عن الكون المتمدد ويشرح آراء " إدوين هابل" فى هذا الصدد ، وكذلك يتطرق إلى إكتشاف المجرات وكيفية تكونها ، فى التاريخ المبكلا للكون ، ثم يسهب فى شرح الأنفجار الأعظم الذى بدأ به خلق الكون ، وكيفية حدوثه منذ نحو 13.7 بليون سنة ، بالإضافة إلى الجسيمات والقوى التى سادت فى ذلك الزمن الموغل فى القدم ، وكيفية اتحاد تللك الجسيمات دون الذرية ، واقتران القوى وتفككها ، ثم يناقش الظواهر الكونية المثيرة والمعقدة ، ويقدم لها تفسيراً مبسطاً للغاية ، مثل الأوتار الكونية والفقاقيع الكونية والعناقيد المجرية والعناقيد المجرية الفائقة وغيرها. ويخلص من كل هذا ، ليتطرق إلى موضوع "المادة المظلمة" التى تكون أكثر من تسعين بالمئه من حجم الكون ، وهى غير مرئية لنا ، ولكننا نتعرف عليها من آثارها على المجرات ( جزر الكون الكبرى) ويتسائل الكاتب – المتخصص فى تبسيط العلوم – هل من الممكن أن تقدم لنا الماده المظلمه ، حلا لمشكلة بنية الكون المروعة ، ومن ثم نتمكن من التعرف على أهم الظواهر الكونية الغامضة التى لا نجد لها تفسيراً حتى الوقت الحاضر ، على الرغم من التقدم المذهل فى علمى الفلك والكون ، إن كتاب ( الجانب المظلم للكون) إضافة متميزة وفريدة للمكتبة العلمية العربية.

الجانب المظلم للكون عالم يستكشف ألغاز الكون لـ جيمس تريفل

رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة

قرأت لك: رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة 1. الحكاية: تحكي الرواية عن عالم في الهندسة الوراثي...