الحلم للحياة .. وتشويق الخيال العلمي
محمد نجيب مطر بمجموعته القصصية "السيارة الذكية" يخاطب المنطقة الحدية التي تشمل بشائر المرحلة الشبابية والكبار جميعاً.
تبدو الحدود الفاصلة في
الآداب رغبة في متابعة الدرس الأدبي لتحديد خصائص الأنواع الأدبية، وعطاءات
كل نوع، لكن في الواقع تتداخل تلك الأنواع بحسب إضاءات الإبداع التي لا
تحدها الحدود، أو تمنعها التنظيرات، وعلي سبيل المثال الأدب الذي تحدث عنه
النقاد بأنه يكتب خصيصاً للطفل من سن الوعي حتي سن البلوغ، ففي مرحلة أعتاب
الشباب (التي تسمى الطفولة الأخيرة، والتي تمتد من سن الثامنة حتى الثانية
عشرة)، نجد أن بعض القصص التي كتبت لتلك المرحلة أقبل علي مطالعتها الكبار
مع الصغار (مثال: هاري بوتر)، كما نجد شواهد أخرى تتحدث عن معضلة التعريف
ذاته لأدب الأطفال، وشاهد ثالث حول تناول تطور أدب الأطفال: "حيث ظل الأولد
يطالعون ما تستجيب لهم عقولهم من أدب الكبار، كما أن الكبار جميعاً
يستمتعون أحياناً بمطالعة أعمال صيغت للصغار ويجدون فيها ألفة ورضا".
والمجموعة القصصية "السيارة الذكية" للكاتب محمد نجيب مطر، تقدمت لحلقة
نقاشية في أدب الأطفال، وتم التنويه أنها صيغت للبالغين، وكأن الأديب يريد
بها أن تخاطب تلك المنطقة الحدية التي تشمل بشائر المرحلة الشبابية والكبار
جميعاً، وساهم في هذا التوجيه تلك اللغة السهلة وغير المستعصية، حيث تركز
في الأساس على فكرة في القصة، وحبكة مقصودة في ذاتها لإمتاع القارئ وإقناعه
بتلك الفكرية المحورية في كل قصة.
الوسيلة الأدبية للقاص تهتم بمحاور القصص وأفكارها عن الإنسانية المعذبة في أغلال القهر والعدوان
كما ساهمت النواحي الشكلية في المجموعة لتشكيل
مدخل مهم لقراءة المجموعة، بداية من قطع الطباعة الصغير (كتاب الجيب)،
وعنوان جانبى على الغلاف "سلسلة الرعب والخيال العلمي والفانتازيا"، ونهاية
باقتناء طريقة الكتابة بفكرة "متعة الحكي"، باعتبار أن روح القصة الفنية
"حدوتة" ممتعة وجزلة ومشوقة، ومروراً بتشوبق الخيال العلمي عن رؤية عوالم
المستقبل، الممزوجة بسخرية لطيفة ترى الواقع أصلاً وتشير إليه كصورة معكوسة
على مرآة هذه العوالم.
إن هذه الأمور مجتمعة تعمد لتشجيع القارئ على المطالعة، وتقريبه من الكتاب
القصصي الإبداعي وإمتاعه بها، وعنوان المجموعة "السيارة الذكية" كأنه يشير
لميزة تنافسية تسويقية في المنتج الإستهلاكي (السيارة)، ويبدأ القاص مباشرة
بالقصة الأولى التي تحمل هذا العنوان، والتي تحمل فكرة أنسنة الأشياء في
مقابل تشيؤ الإنسان، فمنجزات التقدم العلمي تجعل الإنسان أكثر أماناً وراحة
لكنها تفقده قدرته على متعة الاختيار وحرية التصرف، وكأنه يشير لملمح
سياسي لا يغيب عن هذه المجموعة الذكية، بالحديث عن أبوية سلطوية من قبل
السيارة لصاحبها تفقده حقه في أن يكون إنساناً، بل يظل خاضعاً لسطوتها
وجبروتها التقني، وأرى أن القصة كان يجب أن تنتهي ( ... ثم تنطلق إليه كما
ينطلق الطفل وراء أمه) ص 9، وأن آخر سطرين زيادة في القصة.
وتبدو رغبة التوصيل لدى الأديب مهيمنة ففي قصة "البركة" تنتهي القصة أيضاً
في آخر أربعة سطور منها بتوضيح ما سبق إيضاحه في متن القصة البارعة التي
استعملت تقنية الحلم حول عالم المثال (اليوتوبيا أو اللامكان) حيث
اليوتوبيا ونقيضها الديستوبيا ثيمة أساسية في أدب الخيال العلمي لدرجة أن
البعض أسماها قصص التنبؤ وأفضل عنها تسمية قصص الاستباق أو الاستشراف
العلمي، حيث تنشر صوراً مختلفة عن المستقبل، وهنا في القصة صور مشرقة عن
الصحة والمرور والتسوق والنظم الاجتماعية، ولكن بمذاق إيماني لا يخفي على
لبيب في القصص، فاستعمال مفردة "البركة" في العنوان تشير للوفرة الوجدانية
بالرضا وروعة النماء الذي لا يستهلك أو يستعبد إنساناً، كما أن القصة تشير
صراحة لمعني تكريم الإنسانية وقيمة العمل وثيقة الصلة بها وهنا تناص مع
الآية الكريمة: {ولقد كرمنا بني آدم} ..... الآية، تقول القصة: "أنت إنسان
... أعظم ما خلق الله بيده .. وفضله على كثير مما خلق .."، ونافذة القصة:
"الأرض وطننا جميعاً، لن يهنأ أحد عليها بسلام دون ضمان السلام لكل من
فيها، لن يشعر أحد بالأمان طالما ظل واحد فيها مهدداً". ويناظر اليوتوبيا
هنا فكرة تقدم مصر العلمي حتي تمثل دوراً مهماً في الحياة البشرية
مستقبلاً، وهذه الفكرة أثيرة جداً ونجدها بكثافة هنا وفي أدب رائد أدب
الخيال العلمي نهاد شريف.
![تحتفي القصص بالقيم البناءة](https://i.middle-east-online.com/s3fs-public/inline-images/khalid2_7.jpg?TRU8Cn5LviZqyIbkylYBSoUK6uXM4Jwe)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق