الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

من قصص الخوف: المتشابهون .. محمد نجيب مطر


المتشابهون

أسرعت الخطى نحو محطة مترو الأنفاق لتلحق بآخر قطار، وبالفعل وصلت قبيل موعد القطار بقليل، وصل المترو وكما توقعت وجدت مقاعد خالية كثيرة بسبب دخول الليل وبرودة الجو، نخيلت أنها وصلت إلى البيت وتناولت العشاء، و يديها تقبض على كوب الشاي الساخن فيسري الدفء إليها.
غفت لفترة، وأفاقت على وقوف المترو وهالها نزول جميع الركاب بسرعة، لم يصعد أحد رغم امتلاء المحطة بالركاب، أحست بخوف غامض، لم يحدث أبداً أن وجدت نفسها وحيدةً في عربة المترو.
نظرت من خلال الزجاج الفاصل بين العربات فوجدت العربة التي أمامها وكذلك العربة التي خلفها خالية تماماً من الركاب، أحست بهستيريا الخوف من الأماكن المغلقة تتسرب بسرعة إلى نفسها.
فجأة توقف القطار في مكان مظلم داخل النفق، وبدأت مصابيح الإضاءة داخل المترو في الإظلام واحدةً تلو الأخرى، فاندفعت في جنون حقيقي تحاول فتح الأبواب دون جدوى.
أحست بأن معها داخل العربة مخلوقاً ما لا تراه، ولكنها تحس بأنفاسه خلفها تلفح رقبتها، وتشعر بأن شئ ما يحتك بجسمها، انفلتت في قوة لا تدري من أين جاءتها، وكسرت زجاج صندوق الطوارئ بجوار الباب، ثم شدت عتلة الايقاف بكل قوتها.
انفتحت كل الأبواب فقفزت خارج المترو، لم يهبط أحد غيرها، أخذت تنادي وهي واقفة على شريط المترو في الظلام في وسط النفق ولم تسمع إلا صوت الصدى.
فجأة أضاءت أنوار المترو مرة واحدة، وتحرك مبتعداً عنها وهي تجري خلفه حتى تعبت فتوقفت، حاولت أن تهدئ من روعها وأن تجد تبريراً لما حدث.
فجأة سمعت صراخ صوت تعرفه، يسري من بعيد في ذلك الليل البارد البهيم، ظهر لها في الظلام شبح يتجه نحوها بسرعة، حاولت إخراج المحمول من شنطة يدها لتضئ به المكان، وتتعرف على هوية القادم، من فرط اضطرابها سقط المحمول على الأرض فاقداً الحياة.
كان الشبح يتجه إليها بسرعة عالية رافعاً قبضته إلى الأعلى وكأنه يحذرها من شئ ما في الطريق إليها، دققت النظر فوجدت خلفهم جمع كبير من المتشابهين أحذيتهم متشابهة، خطواتهم منتظمة، يحملون أسلحتهم ويصيحون بصوت عالٍ بهتافات رنانة تدوي في الفضاء وكأنهم مقبلون على الدخول في معركة الحياة أو الموت، زيهم الكالح واحد، وجوههم العابسة واحدة.
ما لبث القادم أن سقط على الأرض على بعد عدة أمتار فقط منها، أسرعت إليه فوجدته غارقاً في دمه، أطلقت صرخة مدوية زادتها رعباً، ظهر خلفه مجموعة من المتشابهين يهرولون نحوهم، يرفعون في أياديهم البنادق والمسدسات والهراوات والسيوف والرشاشات.
حملت ابنها وأطلقت ساقيها للريح في الاتجاه المعاكس، فجأة ظهر لها مترو آتيا في سرعة كبيرة في الاتجاه المقابل، لم تستطع أن تتفاداه، أحست بصدمة المترو المروعة وسقطت مضرجة في دمائها تجرها عربة المترو خلفها، تسمع صرير العجلات المخيف يدوي بالقرب من أذنيها، تسمع الصفارات وعويل سيارات الاطفاء والاسعاف والحريق، يتناهى إلى سمعها بكاء طفل صغير، يهز جسد أمه المسجى، صور وأحداث تنوء ذاكرتها المرهفة بحمله، مع سماع دوي مخيف لزخات الرصاص الذي يتساقط كالمطر فيحصد الأرواح.
رائحة الموت تفوح من بين ركام الأبنية، يتصاعد الدخان من النيران التي تشتعل في كل مكان، صرخات المصابين تشق عنان السماء، مرت كل المشاهد مختلطة بصرير العجلات وقرقعة القضبان تحت وطأة ثقل العربات.
وجدت من يمد ويسحبها من تحت العجلات في خفة وسرعة يحسد عليها، أفاقت على من يخبرها أن آخر مترو تم إلغاؤه لانقطاع التيار الكهربي بسبب الأمطار الغزيرة.

نتيجة بحث الصور عن المترو


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة

قرأت لك: رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة 1. الحكاية: تحكي الرواية عن عالم في الهندسة الوراثي...