الجمعة، 10 مايو 2019

ياسين أحمد سعيد - نبوءات الخيال العلمي: (تجميد الأجساد)

نبوءات الخيال العلمي: (تجميد الأجساد)

للعلم، أول عملية تجميد في تاريخنا، قامت بها الطبيعة وليس الإنسان. أعني هاهنا العصر الجليدي الذي أدمن ممارسة هذا النشاط بشكل جماعي على الكرة الأرضية بكاملها، فخلف لنا آلاف الأجساد التي أحيطت بقبر من ثلج، مما يفتح الباب أمام العلماء لإعادة بعضها إلى الحياة عن طريق (الاستنساخ).

(إدوارد بيج ميتشيل) كان من أكثر الناس استباقًا، بأن تحدث عن التجميد البشرية في رائعته القصيرة (ابنة السيناتور).

اللافت للنظر، أن قصص الإيقاف المؤقت للحياة شائعة -فعلًا- منذ القرن التاسع عشر.

قرأت مقالًا لـ (د. سائر بصمه جي)  في مجلة (علم وخيال)، أرجع السبب إلى شيوع آثار درجات الحرارة المنخفضة جدًا على الخلايا، وهو ما أثمر قصص خيال علمي باكرة مثل (رجل هانبيال) 1837م، و(القرصان المجمد) 1887م، لـ (كلارك رسل) (عشرة آلاف سنة في الجليد) لـ(روبرت ميلان) عام 1779م.

بعد أن صار التجميد حلمًا أقرب للمتناول خلال القرن الماضي، تغيرت طبيعة القصص لتطرح أسئلة مختلفة، نذكر منها العمل الأدبي (أوزيماندياس) عام 1972م، والذي رمي مؤلفه (تيري كار) إلى وقوع أجساد المجمدين في نفس أزمة مومياوات الفراعنة، إذ عاني كلاهما من عبث لصوص المقابر، وتوالت الأسئلة الأعمق، من أمثلتها: (لماذا نستردهم من السماء؟!) لـ(كليفورد سيماك) 1976م، و(علة جاك بارون) 1969م لـ(نورمان بارون)، و(التحرر من آثار البرد) 1979م.

أما الكاتب (فيليب ديك) فاهتم باستعراض الآثار النفسية للمتجمد، من خلال إضافته الأدبية (رحلة مجمدة) 1980م.

سؤال آخر طرح نفسه:

«هل من الممكن استخراج ذكريات الرؤوس المجمدة دون الحاجة لفك الجليد؟»

جاءت الإجابة بالإيجاب في قصة (الرؤوس) لـ(جريج بير) قبيل التسعينيات.

انتهت الأمثلة المذكورة في مقال (د. سائر)، ليقابلني سطرٌ آخر بتوقيع (روبرت هينلاين) عام 1951م، عندما لفت النظر إلى نقطة ذات صلة عبر قصته (النوم البارد)، معروف -بالطبع- مصاعب السفر عبر النجوم، وفي مقدمتها.. استغراق عقود طويلة، أكبر بكثير من متوسط أعمار البشر، لذلك تتضامن القصة مع (التجميد) كحل سديد لهذه النقطة.

فضلًا عن أن الظاهرة موجودة حولنا طوال الوقت، وتمارسها فصائل كاملة من الكائنات الحية المسماة بـ(الحيوانات ذات الدم البارد)؛ ففي كل الشتاء، تدخل هذه الحيوانات في سبات عميق، تنخفض فيه حاجة خلاياها إلى الأوكسجين والغذاء إلى الحد الأدنى، ثم تدب فيها الحياة مرة أخرى بانتهاء الفصل.

حاول العلماء حذو نفس الفعل مع ذوى الدم الحار، فقاموا باستحضار هذه الأجواء الثلجية في المعمل، وأطبقوا به على حيوانهم المفضل للتجارب (الفأر)، لكنها بعد إنهاضه من سباته البارد، لفظ أنفاسه الأخيرة في دقائق، وعند تشخيص السبب، اكتشفوا عدم قدرة أنسجته على تحمل البرد الشديد، فأهلكها تمامًا، كما أن التغير الحـراري المباغت أدى إلى تكوُّن سرطانات، مما

ساهم في تعجيل النهاية السريعة.

هناك عوائق أخرى، ظهرت لاحقًا في تجارب متقدمة؛ فالخلايا تحتوى على كميات كبيرة من الماء كما نعلم، مما يجعل التجميد يؤدى إلى النتيجتين الطبيعيتين: انكماش الخلايا، وظهور بلورات ثلجية.

عصف العلماء أذهانهم بحثًا عن حلول، يطاردهم إلحاح عشـرات المصابين بأمراض مستعصية، الذين تراودهم نفس الوعود، حلم تجميد الجسد، وإعادته للحياة مرة أخرى في المستقبل، عندما يكتشف الأطباء علاجات ناجعة للأمراض التي استشرت بهم.

انضم إليهم كتفًا بكتف رواد الفضاء، الذين رأوا في هذا المجال الأمل في القيام برحلات طويلة، حينها سيدخل طاقم المركبة في سبات عميق، ثم يستيقظ عند وصوله إلى الهدف.

أعاد الباحثون معًا ترتيب أوراقهم، فتوصلوا في مطلع الألفية إلى مواد كيميائية مضادة للتجمد أسموها الـ(Cryoprotectants)، كما عرفوا عن الجليسرول تأثير هام في منع تكون بلورات ثلجية داخل السيتوبلازم، الآن يجب مبدئيًا أن يتم التجميد بسرعة قبل أن تنهار الخلايا، ثم يستبدل الدم بالـ(Cryoprotectants)، ووضع الجسم في سرير من الثلج حتى تنحدر حرارته إلى (130) درجة مئوية تحت الصفر، أخيرًا يُدفع في وعاء صلب مليء بالنيتروجين السائل.

• المصدر: كتاب (نبوءات الخيال العلمي).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة

قرأت لك: رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة 1. الحكاية: تحكي الرواية عن عالم في الهندسة الوراثي...