السبت، 11 مايو 2019

تامر حجازي - النقد الادبي : محاولة تجديد

 نقَدَ يَنقُد، نَقْدًا، فهو ناقد..... والمفعول مَنْقود.
النقد في لغتنا العربية يجيء في الأصل دلالة على الذهب والفضة (النقدين) .

وفي عالمنا المعاصر نقيم ما بين أيدينا من سلع بالنقود، وفي المؤسسات المالية تجد صندوق النقد الدولي والمعاملات النقدية المعروض النَّقديّ المُعَدَّلات النَّقديَّة وما الى ذلك
نقَد العُملةَ: ميَّزها ونظرها ليعرف جيِّدَها من رديئها (ناقِد عملات).
نقَد صديقَه مالًا: أعطاه إيَّاه. نقَد التّاجرَ الثَّمنَ/نقَد للتاجر الثّمنَ: أعطاه إيّاه نقدًا معجَّلًا.

... وأيا كانت النقود أو الذهب أو الفضة، فهي وسيلة لتقيم سلعة أو خدمة ... هل هي نفيسة غالية أم رخيصة مزدراة، وهو ما أسقطه العرب منذ البداية على تقيم الأعمال الشعرية أو الأدبية، لبيان علوها وهبوطها الأدبي ...

كما أن للنقد معنى أخر في اللغة وهو اللدغ أو والنقر ...
نقدته الحية أي: لدغته
ونقد الشيء نقدا: نقره ليختبره (نقد الطائر الفخ. ونقدت راسه بأصبعي أي نقرته)

ونقد البضاعة: أي فرزها لبين الطيب من الرديء.

وبتجميع ما سبق نجد أن كلمة النقد تحمل معاني الفرز، والتقييم، والنقر والقيمة.
لذلك كان استخدام العرب للكلمة في ضبط ميزان النصوص الأدبية سواء شعرا أو نثرا كان استخداما عبقريا بليغا .

.... ولكن من هو الناقد؟

- أول ناقد للعمل الأدبي _ ولابد أن يكون -هو الكاتب نفسه.
- ثم المصحح اللغوي بالتأكيد.
- والناشر ينبغي أن يكون ناقدا.
- والمترجم ناقد حقيقي للنص الأصلي ومبدع في تحويله.
- ثم النقاد المتخصصون سواء من الأكاديميين أو القراء المخضرمين
- وأخيرا واهمهم على الإطلاق يأتي القارئ وهو اهم ناقد للعمل الأدبي .

وبعيدا عن تقعر المتقعرين وتبسيط السفهاء أحب أن الخص لكم أنواع النقد الأدبي ببساطة ومن وجهة نظري. ثم نتطرق الى طريقة تجمع ولا تفرق.

.... وأولها: النقد الانطباعي.

وهو تحليل شخصي للعمل الادبي . لا يحتاج الى متخصص ولا حتى الى قارئ مخضرم. انه انطباعك حول العمل الأدبي حسب ذوقك الشخصي فلربما عمل يبدو تافها بالنسبة لك، هو قيم بالنسبة لي، والعكس.
وذلك النوع من النقد لا يمكن ضبطه بمعيار فربما اختلف نقد الشخص نفسه للعمل نفسه حسب حالته النفسية أو مزاجه.

ربما قرا أحدهم عملا يجده رائعا، ثم يقرأ نصا مشابها بعد ذلك، فيجد النص الثاني معادا ومللا مكررا . بينما لو قرأ النص نفسه في البداية لتبادل النصين الأدوار ووجد الأول معيبا.

ومع ذلك فانا اعتبره اهم أنواع النقد انه المعيار الذي يصل بالأدب للقلوب والعقول. واعترض على تقوقع بعض الكتاب في أبراجهم العاجية بأدب مصطنع معقد (وكلاكيع) أكاديمية لا تجد سبيلها للقارئ، بحجة الحداثة أو ادعاء التفلسف.
كما اعترض على الابتذال والاستسهال وجملة (السوق عايز كده) واجدها جملة مدمرة، "سبكية" للغاية، ساهمت في تردي الوضع الأدبي وانحداره.

.... النوع الثاني هو النقد الأكاديمي.

حيث يتحول الناقد الى جراح يمسك بميزان الذهب، ليزن أحشاء النص وفقا لقواعد صارمة حاكمة لا فكاك منها، فاذا أتبعت القواعد فأنت (صاحبي وحبيبي وكفاءة) ... وإذا خالفتها فانت أديب ناقص قليل الادب... إذ أزعجت رهبان معبد النقد بقواعدهم البالية ... التي لا تعترف أن جوهر الادب هو التجريب ...

وان القواعد التي يتشدقون بها تم وضعها بناء على كتابات الكتاب وتجديدهم عير العصور ... فمنذ عدة قرون لم يكن هناك ما يسمى الرواية.... وعندما وجدت عن طريق الكاتب... خلقت لنفسها قواعدها التي يستخدمها الناقد ليقتل بها كتابا أخرين.

وبالطبع أنا ضد الاستسهال على الجانب الأخر في خلق إسفافا خاليا من القواعد. فالأديب الحقيقي يكتب أدبا حقيقا ...وحتى لو حطم جميع القواعد ليخلق قواعده الجديدة الطازجة ... فهو يحطمها عالما بها لا يتجاهلها قافزا عليها بطريقة (دا قصر ديل يا ازرع).

.... النوع الثالث من النقد هو النقد التحليلي الفلسفي.

إذ ظهرت مدارس عديدة لدراسة النتاج الأدبي أو الفني تعتمد على ‏الأسس الفلسفية الحديثة والقديمة، بداية من سقراط وأرسطو مرورا ب (‏ديكارت وكانت وهيغل وهايدغر) ثم المدارس الحديثة وهي أساس مناهج ‏النقد المعاصر منها ‎‏: ‏
‏1. ‏ -‎مدرسة النقد الشكلي والبنيوي‎‏ ‏.
‏2. ‏ ‎‏ ‏‎-‎مدرسة النقد البراغماتي (الوظيفي‎‏) ‏.
‏3. ‏ ‎مدرسة النقد الظاهراتي والوجودي‎‏ ‏.
‏4. ‏ ‎‏ مدرسة التحليل والنقد النفسي‎‏ ‏.
‏5. ‏ مدرسة النقد الاجتماعي والماركسي‎.

حيث يحلل الناقد الرواية تبعا لفلسفته الخاصة ... فمثلا هذا الناقد الاشتراكي جدا ... يحللها طبقا للجدلية الماركسية ...والأخر طبقا للفكر الاجتماعي أو لفلسفة ما بعد الحداثة .... والأخر يحللها من الناحية السيمائية أو من ناحية الهرمينوطيقا والفينومنولوجيا وما الى ذلك من مصطلحات تحتاج الى قراءة عشر كتب ... وماجيستير في الفلسفة على الأقل لإدراك معنى إحداهن !!

وهذا النوع من النقد هام جدا... إذ يحول عالم الرواية الى أفاق لم تكن حتى في عقل كاتبها، ويؤصل ويحلل العالم الواقعي من خلال العمل الأدبي،
واعتبره دمج بين النقد الانطباعي والأكاديمي، إذ هو تحديدا انطباع الأكاديميين حول النص وبغض النظر عن القواعد الأدبية الصارمة ...
لكن يعيبه انه موجه من المتخصصين للمتخصصين... لا سيما مع ذلك الكم الهائل من المستصلحات (إياها)... التي تحيل النص الى دمدمات اشبه بتعاويذ السحرة، وتهويمات المشعوذين ...

.... والنوع الأخير الذي أريد أن أسس له هنا معكم

يجمع بين كل ما سبق ولكن. يجب على الناقد أن يكون أولا قارئا مخضرما مثقفا ...بمعنى الثقافة الواسع لا المنغلق على بند بعينه ... متعادلا أمام جميع وجهات النظر.... وان يكون على دراية بكل أنواع النقد ومدارسه، وقواعد البناء الأدبي ...

... وعليه أولا أن ان ينحي هوى نغسه وأفكاره المسبقة ، ثم يتغلغل في عقل الكاتب، وان يتماها ويتوحد معه ويتقمص شخصيته. بينما يبدع النص، ليعرف في ماذا كان يفكر كاتبنا.
وماذا يقصد، وما يريد، وكيف كانت حالته النفسية وهو يكتب تلك الجملة ... أو يشخص هذه الحبكة ...

ثم يخرج من عقل الكاتب. ويقوم ليجلس على كرسي القارئ، فيضع نفسه محل القراء بمختلف طبقاتهم ... ليستشعر في نفسه كيف يقع النص على نفس القراء، وعقولهم

ويسأل أسئلة هامة: ...........
- هل نجح الكاتب في إيصال ما يريده لمختلف مستويات القراء أم فشل؟
- هل النص ممل أم مثير مسترسل أم تختنق به الحلوق؟
- هل لغة النص متماسكة وإبداعية أم ركيكة أو مستهلكة؟
- هل المكتوب أصيل مبتكر؟ أم هو تقليد ومحاكاة ساذجة لنصوص أقدم؟

ويجب أن يدرس النص من ناحية اتفاقه مع القواعد الأدبية، أو تمرده عليها ... ويميز هل هو متمرد حقا؟ أم مجرد جاهل بالقاعدة فاستسهل اختراقها...

وبعد يهضم النص هضما هادئا، ويحبس بعده بكوب شاي ثقيل، أو فنجال قهوة غليظ الوجه.

يخرج علينا بنص نقدي انطباعي لا يتجاهل القواعد...
تحليلي يقرب النص للأذهان والقلوب، لا يباعده بمصطلحات أكاديمية معلبة ...
فلسفي لا متفلسف، حيث يستخرج فلسفة النص نفسه ويحللها، لا أن يخرج النص في امرأة فلسفته الذاتية ويلوي عنقه ليوافق أفكاره هو ...

وأخيرا يبتعد عن النفاق والمجاملة المخلة أو الهجومية الزائدة عن الحد...

واعتقد أن هذا هو الطريق الأمثل ليحيا النقد الأدبي من جديد... بعد الفجوة التي باعدت بين الناقد والقارئ والمبدع. وخلقت من الجميع جزرا منعزلة تستعصي على الفهم والتفاهم .
Image may contain: outdoor

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة

قرأت لك: رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة 1. الحكاية: تحكي الرواية عن عالم في الهندسة الوراثي...