الاثنين، 23 أكتوبر 2017

قصة قصيرة: كوكو البرنس .... بقلم عبير عبد الله

كوكو البرنس .... عبير عبد الله
************************

كلما استيقظَتْ قلِقةً جاءتني تربتُ على شَعري وظهري وتنصرف!
يُحيِّرني أمرُها دائمًا؛ لماذا تتحمل كل ما يستفز، وكأن شيئًا لم يكن؟!
صحيح أنها أحيانًا تثور، لكن ماذا تفعل بثورتها، غير أنها تبكي بحرقةٍ، وترفع صوتها قليلًا؟!
أمَّا الليلة، فلم أستطع منعَ نفسي من الضحك أو الابتسام، ولم أُجِبْ عن تساؤلها عن السبب، فتركتني وشأني بعد أن أكَّدت عليَّ:
• ليتَكَ تنام مبكرًا وتستيقظ مبكرًا؛ فأنا لديَّ عمل كثير على الكمبيوتر، وأنت تنشط وتُنجِز دروسك جيدًا عندما أكون بجوارك.
فأجبتها:
• لن أنام إلا بعد أن أُصلِّي الفجر حاضرًا مثلَك، ها ها.
تنام كثيرًا، لا أدري كيف؟!
وأنا عندما أدخل الفراش لا أنام بسهولة! يا لحظِّها!
العجيب أنها تقول: إن لديها مشكلة في النوم، تحتاج لزيارة الطبيب كلما زاد الأمر عليها؛ لذلك أتفنن في تعذيبها واستثارتها وتحريض أمي عليها؛ حتى تفتح باب الحجرة أثناء نومها، ثم أتسلَّل وكأني ذاهب إلى الحمام وأُضِيء نور الحجرة والصالة لأضايقَها!
تشعر بأي حركة مهما كانت بسيطة، طالبةً ممن فتح الباب وأنار النور أن يُغلِقهما، أو تقوم هي وتُغلِقهما بهدوء وتُنهِي الأمر!
كيف بالله يكون ذلك وهي في سابع نومة؟!
ألم أقل لكم: إن أمرها يُحيِّرني؟!
المهم أنها تعرف أنني أتضايق منها؛ لأنها دائمًا (تكشِفُني)، تعرف ما أفعله دون أن ترى ذلك بنفسها، أو يقول لها أحد!
ولَمَّا قلت لها ذلك، قبَّلتني في جبهتي، وجذبت شَعري بخفةٍ، مازحة، وقالت: أنت تعلم أنني لا أريد إلا مصلحتك.
لكنها هذه المرة لم تستطع أن (تكشفني) كالمعتاد! فقد قمتُ بعمل (كلمة سر) للكمبيوتر؛ بحيث لا تعرف كيف تفتحه، خاصةً وهي شديدة الاهتمام بعملها، وناجحة في كل شيء، لكنني قلتُ لأختي فريدة كلمةَ السر؛ حتى تستطيع استخدام الكمبيوتر إذا احتاجَتْه؛ لأنها طيبة، وأنا لا أدري لماذا أسمع كلامها غالبًا! وهي تسامحني كثيرًا، ولا تعاقبني إلا إذا فعلت بلوى كبيرة، بل بالعكس إذا أخبرتها ضمنتُ ألا تعاقبني.
أما هذه التي أشعر وكأنها تقف في حلقي، فلا تجرؤ على عقابي على أي شيء، بل تحاول تجنُّب أن أعاقبها أنا وأضايقها - ها ها، صحيح الأنصاف قامت، والقوالب نامت! - فتثور ولا تُصرِّح بما فهمته، وأكون قد أخفيته، ثم تقول لأمي الحقيقة من وراء ظهري!
لماذا يتحامل الجميع عليها ولا تثور إلا نادرًا، رغم أنهم يفترون عليها ويظلمونها! لكنها قوية، حتى عندما أراها تبكي بشدة، فنادرًا ما تصعب عليَّ، ولا أقدِّم لها أي عون، رغم أنها على حق، أنا لا دخل لي! أنا لا أتدخل في أي شيء إلا إذا كنت سأقلب الدنيا عليها مثلًا، ها ها!
تسمعني وأنا أُحرِّض الجميع عليها دون أن تهتز لها شعرة، حتى إن أختي فريدة انقلبت عليها كالغولة، لا أدري كيف؟! ربما لأي شيء، لا أريد أن أعرفه، وطبعًا فأمي لا تسكت، تُتحِفها بوابلٍ مِن التهديدات والشتائم، أو أي كلام يجرح، وهي تنظر للجميع بثقة، حتى وإن تفنَّنتُ أنا في اصطياد أخطائها وتفخيمها بصورة كاريكاتورية تستفز أمي تُجاهها كالمعتاد، ولربما ردت ردًّا قاطعًا ولا تبالي بردود أفعالهم.
استيقظت وهي ثائرة تبكي بحنق وحرقة.
• أيغلق عني الكمبيوتر؟ كيف؟ أنا لدي بحث مهم يجب القيام به.
قمتُ بسرعة وأنا خائف أن ينقلبوا عليَّ جميعًا، سبقَتْني أختي فريدة وفتحت لها الجهاز، لكنها هذه المرة لم تكفَّ عن البكاء.
• أيغلق الجهاز عني؟! وبه كل شغلي، وهو يعلم جيدًا أنني أستيقظ مبكرًا لأقوم به؟!
لكن أمي - وقد شحنتُها على مدى الأسبوع الماضي صباحًا ومساءً - سخِرتْ منها: وما أهمية هذا الشغل إن شاء الله؟! هل أنتِ تُطعِميننا؟! "انفلقي" أنت وشغلك، فما فائدته لنا؟!
وكأن كل المشكلة في هذا فقط!
لكني عرَفتُ مؤخرًا أنها قد اشترَتْه من مالِها، وهو على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لها! وها هي أمي لم تفهم شيئًا، ربما تغافلَتْ لصالحي كالمعتاد، وقد غلب عليها ضيقُها حتى إنها ظلَّت تَشتِمُها، ثم أمرَتْني أن آتي لها بالعصا لتضربَها!
بالمناسبة، هي طبيبة امتياز متفوقة - هاها - حظها في السماء، وأنا ليس لي أي حظ! بصراحة هي غائظة لي جدًّا! كل هذا وهي تعطينا ظهرها في جِلستها أمام الكمبيوتر، وقد فتحَتْه لها أختي فريدة، وكأنها "مِن بَنْهَا"! لكنها لم تكفَّ عن البكاء، طلبت من أمي أن تتفهم الموقف وتتخذ حلًّا؛ طبعًا لأنها لا تجرؤ على اتخاذ هذا الحل، وإلا ستنكسر هذه العصا وغيرها على رأسها، وساعتها لا أعلم ما سيُسفر عنه هذا الموقف!
المهم تناولتُ معهم الإفطار - بدونها - وأنا في غاية الانسجام، وكذلك أمي!
قمت بعمل الشاي لهم جميعًا - ما عدا هي طبعًا - وأنا مثال الولد المهذَّب اللطيف المطيع؛ كما تقول أمي عني دائمًا، ها ها!
وهي ما زالت تؤدي عملَها!
وأنا! بصراحة خفتُ أن أدخل الحجرة لأذاكر بجانبها كالمعتاد، فرغم كل ذلك كيف سأواجهها إن قامت هي عليَّ!
دقيقتان في التليفون كفيلتانِ بإشعال نيران أخي المتزوج ضدها، وبضع دقائق أخرى كافيةٌ لإشعال الجميع، ها ها، اطرُقِ الحديد وهو ساخن، ألا يقولون هذا؟ أم هي فقط التي تعرف كيف تقول! وكيف تفكر؟
بسيطة، قليلٌ من التحويل والتدوير في حديثي معها أمس، وعند الفجر وقد صليتُ بها إمامًا - يعني من الآخر - قدرت عليها تمامًا، رغم أنني أحب السرعة، أما هي، فلا أدري كيف تُطِيق السجود إحدى وعشرين دقيقةً، حسبتُها لها وأنا ألعب بهاتفي المحمول وقت المذاكرة، عندما قامت لتصلي سُنة الفجر!
أخبرتُها أنني أعلم أنها هي التي اشترَتْ هذا الجهاز من مالِها، فابتسمت وربتَتْ على كتفي، ثم حاولت تقبيلي في قفاي، مداعبةً، وهي تقول: حتى تعرف ماذا تفعل معي؟! وكيف تتحكم فيَّ وفي جهازي، وأنا لا أفعل معك شيئًا؟! فمَن تصرُّفُه هو الأفضل؟!
ابتسمتُ وصمَتُّ، ثم رفعتُ رأسي وأنا لا أمنع نفسي من الضحك الخافت، وأُحرِّك حاجبَيَّ اللذين كالمِقشَّتينِ، وهي تشاركني الضحك، وتسألني لماذا أضحك؟ وأنا لا أُجِيب!
في الصباح قلت لهم: إنها تُعيِّرني بأنها هي التي اشتَرتِ الجهاز من مالها الخاص، وهي حرَّة في استخدامه كيفما تشاء، وأنني ليس لي الحق في ذلك، فثار الجميع، ولا داعيَ لذكر باقي التفاصيل.
دخلت الحجرة للمذاكرة، فأصررتُ أن ترفع كرسيَّها من هذا المكان؛ لأنني - الآن خاصة - أُريد المذاكرة على مكتبي الملاصق لها على كرسيٍّ معين، ولا أعرف كيف أتراجع بظهره للوراء، ولا كيف أمد رجليَّ الطويلتين؟ أريد المذاكرة بمزاجٍ، وهي بوجودها في هذا المكان تمنعني!
قامَتْ بهدوء، غيَّرتْ مكانها، وضيَّقت على نفسها لتتيحَ لي "الرحرحة"، فلم أكتفِ بذلك، أتكون قد غلبَتْني! "فتلككت" ثانيةً.
• وهذا السلك! ضَعِيه في القابس الآخر.
قلت في نفسي: هي تحكُّمات والسلام، ومَن لا يعجبه هذا البيت فليرحَل، ألا تُحِسُّ وترحل من هذا البيت وتتركني أنعَم بكل ما فيه بسلامٍ؟!
لا أدري إلى أين ترحل، المهم أن أتخلص منها.
• أنت الذي تضع السلك دائمًا في هذا القابس، انتظر حتى أطفئ الجهاز وأضع "الفيشة" حيث تريد.
تلكَّأ الجهاز ولم يستجب لأمرِ الإغلاق - بركاتي حلَّت كالمعتاد - سلقَتْها أمي بلسانها الذي لا يحتاج توصيةً، وأنا أشعلها.
• أترين؟ تريد تعطيلي عن المذاكرة.
ثم عندما أعادت فتحَه ثانيةً لم يفتح، ورأت طلب كلمة السر أمامها، اختنقت من البكاء، وصاحت في أمي:
• أترين؟! كلمة السر معلقة، ولن يفتح الجهاز، فهل أظل تحت رحمتِه إذا قمت قليلًا لأي سبب، أو إذا انطفأ الجهاز، ماذا أفعل؟!
قفزتُ قبل أن تتدارك أمي الأمر، انتزعت لوحة المفاتيح وأخفيتُها وأنا أضع كلمة السر؛ حتى لا تعرفها، تتنازعني نفسي: أفهمت أمي أم لم تفهم؟!
لكن شيطان أمي كان يتراقص كالمعتاد في معاملتها لها، فربما أغلق عقلَها فلم تفهم، فواصلت قصائدها السِّبابية لها، ودعاءها عليها بكل شر! وأنا مبسوط مِن هذا الظلم، لا أدري لماذا!
خائف في ذات الوقت، لا أدري لماذا!
فقلت: خُذُوهم بالصوت حتى لا يغلبوكم.
• أشاهدة يا أمي؟!
جاءت أختي فريدة على الصوت وأنقذَتْني، وصرخت فيها:
• ألم أقل لك كلمة السر منذ قليل؟!
وهنا استرددتُ نفسي بسرعة، حمِدت الله؛ لأنني خفت أن تقلب أمي الدفَّة عليَّ أنا، (بِنت الذين! الذكية!)، عندما جاءت أختي للحجرة منذ قليل على صوت بكائها، همست لها بكلمة السر، ولكنها لم تفصح؛ حتى لا أغيِّرها وتكون قد ضاعت هي وضاع كل شغلها!
تمسكتُ أنا بكلمة أختي فريدة: ألم تقل لك عن كلمة السر؟ فماذا تريدين؟
وحاولتُ أن أقلب عليها الدفة مرة أخرى.
ذكاؤها يغيظني، قوة تحملها تستفزني، لماذا تتحمل كل ما نفعله معها وبها؟!
أما وقد انتهى الأمر على خير، لكني لا أستطيع مواجهتَها حتى لا تستفرد بي، فهي صاحبة حق، وأنا لا أعرف كيف أمنع نفسي عن إيذائها!
طلبت منهم تغيير حجرتها وحبسها في هذه الحجرة التي بها الجهاز، تنام فيها وتذاكر، وإلا كيف أذاكر وأنا لا أُطيقها! أم يريدونني أن أرسبَ في الامتحان! أو حتى أحصل على مجموع قليل!
تم تنفيذ الحكم عليها بما أشرتُ به أنا، وهأنذا نائمٌ في فراشها، مستمتع بالحجرة بمفردي، وهي تستطيع تكييف نفسها على أي وضع! ولكن: لماذا ترضى بوضعها هكذا؟!
لا أدري!
وها هي تستمتعُ بعملها وتنمية قدراتها! وهي ماهرة جدًّا في عملها، وأنا مَن أكون؟ لا يهم، المهم أنني أستمتع الآن بأشيائها وبكل ما تحبه؛ أنا كوكو البرنس لا شيء يستعصي عليَّ، ومَن أراد فليُجرِّب نفسه .. هاها.
ما آلمني بعدها شيء مريح جدًّا! وهو أنني قد عوفيت مِن شرحها لدروسي، وقلت لهم جميعًا: أنا سأعتمد على نفسي، هي ليس لها أي شأن بي، وسأذاكر بمفردي، ولكن قرب الامتحان كالمعتاد طلبوا مني أن أطلب منها أن تساعدني في دروسي، فلم تتأخر!
سألتها: لماذا انتظرتِ أن أطلب منك أنا ذلك؟!
لم تُجِب، ركزَتْ في عينيَّ، فقلتُ لها: هيا نكمل الدرس.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/120896/…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة

قرأت لك: رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة 1. الحكاية: تحكي الرواية عن عالم في الهندسة الوراثي...