الاثنين، 9 أكتوبر 2017

من قصص الخيال العلمي.... قيود الحضارة



قيود الحضارة

نهض في الصباح متأخراً على غير العادة، ركب سيارته وانطلق بها بعد أن ضغط على زر العنوان الخاص بعمله في اللوحة المثبتة أمام عجلة القيادة، واجهته أول إشارة فتوقف وهو يتميز من الغيظ، نظر في ساعته وعلم أن وقت بداية العمل قد اقترب، ألقى نظرة عابرة على الطريق فوجده خالياً رغم الاشارة الحمراء، حاول التحرك بالسيارة ليخطف الاشارة لهذه المرة فقط، ولكن محاولته باءت بالفشل فقد امتنعت السيارة عن الحركة أوتوماتيكياً طالما أن الإشارة حمراء فتأفف ساخطاً، وعندما أضاءت الإشارة الخضراء داهمه الاحساس بالجوع فوجد السيارة تنحرف به إلى أقرب مطعم للفول والطعمية، ضاق ذرعاً بتلك الآلات الذكية التي توجه الانسان كيفما تشاء بالاعتماد على تحليل موجات مخه الكهربية، حاول أكثر من مرة مع الشركة المصنعة أن تجعل له الخيار بين القيادة الأوتوماتيكية والقيادة اليدوية ولكنهم رفضوا لأن ذلك يشكل خطورة على الانسان و تمنعه قوانين التصنيع في الدولة، تناول فطوره مرغماً على عجل وأخذ يبلع اللقيمات لتأخره عن عمله، ثم توجه إلى السيارة وضغط على زر عنوان العمل، لكن يبدو أن تناول الطعام بسرعة أصابه بمغص خفيف في المعدة فانحرفت السيارة بسرعة لتأخذ طريقاً مغايراً رغم إرادته، وليجد نفسه أمام أقرب مستشفى، ذهب للطبيب وكشف عليه، أعطاه بعض الحبوب، وسجل النتيجة على الحاسب، وأخبره أن عليه أن يستريح اليوم من العمل، فشكره وانصرف، أخذ حبة من الدواء وابتلعها وبمجرد أن اقترب من السيارة تعرفت على بصمته الحرارية وقامت بفتح الباب وتشغيل نفسها، حاول أن يوجهها إلى مكان العمل ففشل، وتوجهت السيارة من تلقاء نفسها ناحية المنزل فاتصل بالطبيب وسأله كيف علمت السيارة بالتوصية الطبية، فأخبره بأن السيارة تلقت التقرير الطبي عن طريق شبكة الكمبيوتر الشخصية الخاصة به وأنها تفعل الصواب، ضاق ذرعاً بكل هذه القيود، فأوقف السيارة ثم فتح بابها وخرج منها بسرعة وطلب سيارة أجرة لتوصله إلى عمله، أسرعت السيارة خلفه متتبعة بصمته الحرارية، وتوجه له نداءاً صوتياً كلما اقتربت من سيارة الأجرة، أو توقفت في إشارة على الطريق ترجوه أن يعود إلى المنزل حتى يستعيد عافيته.
وصل إلى العمل وركب المصعد، والسيارة توجه له رسائل على تليفونه المحمول تناشده العودة إلى السيارة لتقله إلى المنزل ليرتاح كما أمره الطبيب، أغلق تليفونه المحمول فبدأ تليفون العمل في الرنين وسبب إزعاجاً لكل الموجودين وعند فتح الخط تناشده السيارة بالعودة إلى البيت، وتوصي زملاءه في العمل بنصيحته للعودة حفاظاً على حياته، انزعج الموظفون وفصلوا سلك التليفون، وبعد ساعة فوجئ بالشرطة تدخل عليه مكتبه وتأمره بالنزول لتوصيله إلى المنزل لأن وصية الطبيب ملزمة له حتى لو لم يرغب فيها، ولما سألهم كيف عرفوا ذلك أخبروه بأن السيارة بعد استنفاذ جميع المحاولات اتصلت بالشرطة وتركت رسالة ترجوهم فيها إنقاذ مالكها لأن الطبيب كتب له راحة للمحافظة على صحته، ركب السيارة وهو في منتهى الضيق من هذا التدخل السافر في حياة البشر الخاصة سواء من الأجهزة الذكية أو الأجهزة الحكومية، لقد ضيقوا عليه الاختيارات وبالتالي حدوا من حريته، تمنى لو قام بحرق تلك السيارة والتخلص من تدخلها المتكرر في حياته، وبينما كان في طريقه للمنزل توقفت السيارة فجأة ووجد السيارة التي أمامه تسقط في حفرة كبيرة ظهرت في الطريق نتيجة انهيار أرضي بسبب زلزال مفاجئ، نزل من السيارة ورأى السيارة المنكوبة تشتعل فيها النيران بسرعة ولم يتمكن قائدها من النجاة، وتأكد أنه لو كان يقود السيارة بطريقة يدوية ما استطاع التوقف بهذه السرعة وعلى بعد أقل من متر من الحفرة، عاد إلى السيارة وربت عليها في لطف وشكرها في ود، ودفعها زحفاً حتى سقطت وسط الأتون المشتعل، وسمعها تنادي عليه وتأمره بالابتعاد عن السيارة لأنها تحترق وتخبره أن درجة الحرارة ترتفع بسرعة وتحذره من مخاطر انفجارها.
ترك السيارة خلفه وسار في الاتجاه المعاكس ليركب سيارة أجرة، فسمع صوتاً غالياً يأمره بالانتظار وفوجئ بأن سيارته ترتفع إلى الأعلى عن طريق عمود الحوادث، ثم تميل لتخرج من الحفرة وتطفئ النار المشتعلة بها، وتنتفض لكي تشد جسدها وتسويه، ثم تخرج رشاشات الطلاء فتصبح كالجديدة، ثم تهرع إليه كما يجري الطفل وراء أمه، أطلق ساقيه للريح هرباً منها، وهي تتبعه وتنادي عليه وتطلب منه الهدوء لأنه مريض ويجب أن يجنح إلى الراحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة

قرأت لك: رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة 1. الحكاية: تحكي الرواية عن عالم في الهندسة الوراثي...