الاثنين، 23 أكتوبر 2017

كلمة عن كتاب :الفيزياء والفلسفة . ثورة فى العلم الحديث .Werner Heisenberg

كلمة عن كتاب :الفيزياء والفلسفة . ثورة فى العلم الحديث .Werner Heisenberg
*****************************************************************

Yasser Abuelhassab
«فقد فسّر بلانك في أثناء هذه النزهة، كيف أنه لمس إمكانية التوصل إلى كشف، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، هذا الكشف لا يُضاهيه إلا اكتشافات نيوتن»
إذن، نحن على موعد مع فيرنر هايزنبرج Werner Heisenberg، ذلك الفتى الألماني المشاكس المحب للعلم، والذي تتلمذ على يد أبرز علماء الفيزياء في زمانه، منهم مثلا سومرفيلد، وصاحب واحد من أكبر المساهمات في نظرية الكوانتم، وهو مبدأ عدم التأكد Uncertainty principle، والحاصل على نوبل في عام ١٩٣٢.
(في نهاية الترجمة العربية، نسخة المركز القومي للترجمة، هناك ملحق يسرد ملخص سيرة شخصية لهايزنبرج ودراسته الجامعية)
يسرد علينا الرجل في مقالاته التي جُمعت في هذا الكتاب، آراءه الفلسفية بخصوص الفيزياء (الحديثة تحديدًا)، وما سببته تلك الفيزياء من تغييرات جذرية في عمق فهمنا للعالم وطريقة عمله، وحتى الأمور التي كنا نعتبرها من البديهيات العقلية مثل الزمن وغيره.
واجهت بعض المشكلات الفيزيائية المجتمع العلمي في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، منها مثلا مشكلة إشعاع الجسم الأسود، والتي انتهت بالنهاية بفرض بلانك أن الطاقة الكهرومغناطيسية عبارة عن كمات منفصلة، وليست مستمرة كما كان يُعتقد قديمًا.
استخدم أينشتاين هو الآخر فكرة التكميم في تفسيرة لظاهرة التأثير الكهروضوئي والتي استحق من أجلها جائزة نوبل لاحقًا.
توالت بعد ذلك الكشوفات التي ساهمت في بناء نظرية الكم بصورتها الكبيرة، منها مبدأ عدم التأكد لصاحب الكتاب، هايزنبرج. والذي انطوى على نتيجة فلسفية عميقة جدًا وهي أن الطبيعة كأنها تخفى علينا أشياء.
ثم كانت الطبيعة الاحتمالية للجسيمات الصغيرة، والتي ربما كانت النتيجة الأغرب، إذ كيف يمكن أن يتواجد جسيم في أكثر من مكان في نفس الوقت؟
أيضا تأثير المشاهد على الظاهرة (إذ أن الجسيمات تتصرف بشكل ما وأنت لا تراقبها، وتتصرف بشكل آخر وأنت تراقبها)، أفضى لأن يعطي صفة الذاتية للتجربة، وهو ما كان غائبًا في التصور القديم..
أينشتاين نفسه رفض هذه النزعة غير الواقعية للتفسيرات الكوانتية، حتى أنه قال تعليقًا على تأثير المشاهد: «إنني أحبذ أن أعتقد أن القمر موجودًا حتى لو لم أنظر إليه».
يرى كانط، الفيلسوف الألماني الشهير أن هناك جانبًا في حكمنا على الأمور لا يعتمد على الخبرة الحسية، وإنما هي أحكام قبلية - كما أسماها- موجودة في العقل البشري. مثل مبدأ السببية مثلا، فنحن نعتقد أن لكل سبب مسبب، وهذا المبدأ لا يحتاج للخبرة لاستنتاجه.
وعند مقارنة مباديء الفيزياء الحديثة بتلك النظرة الكانطية، سنجد أنها لا تتفق معها، مثل فكرة الزمن النسبي في النسبية.
يستمر هايزنبرج ليوضح المشكلات التي نجمت عن الفيزياء الحديثة، منها مشكلة اللغة مثلا، فنحن بحاجة إلى تعريف جديد للمصطلحات لنستطيع التعبير بها عن تلك المفاهيم الجديدة، ما أدى إلى تطور اللغة بناء على تطور المعرفة العلمية، فكلمات مثل "الطاقة" و"الأنتروبيا" و"الكهرباء" هي أمثلة لما نعنيه بالتطور اللغوي الناتج عن التطور العلمي.
في نهاية الكتاب، هناك ملحق بعنوان «العلم والدين» يكتب فيه هايزنبرج عن مناقشاته مع العلماء حول الارتباط أو الانفصال بين العلم والدين..
الفصل بدأ بمشهد من مؤتمر سولفاي، عندما طرح أحد العلماء سؤالًا: «لماذا أبقى أينشتاين على الإله؟»..
توالت بعدها مناقشات ممتعة جدًا بين ألمع فيزيائيين في القرن العشرين حول القضية..
هايزنبرج، بول ديراك، ماكس بلانك، فولفانج باولي، نيلز بور، وذكرت آراء أينشتاين كذلك..
هايزنبرج نفسه يرى أن الدين لازم وضروري للحفاظ على تماسك المجتمعات..
بوجه عام، الكتاب ثري جدًا جدًا بالأفكار الفلسفية، فهايزنبرج ستشعر أنه فيلسوف أكثر منه عالم فيزياء نظرية. ثم إن طريقة كتابته في حد ذاتها مشوقة وسلسة جدًا.
في الحقيقة، أستطيع أن أقول أن هايزنبرج، إضافة إلى العالم البريطاني الشهير فرانسيس كريك، وأسيموف العالم الأمريكي، هم أكثر ثلاثة علماء استحسنت أسلوب كتابتهم جدًا، وكأنهم أدباء، وإن كان أسيموف فعلا أديب.
وهذه الكتب الثلاثة بالذات هي ما أعطاني ذلك الشهور:
- الفيزياء والفلسفة، هايزنبرج
- طبيعة الحياة، فرانسيس كريك
- بين الأرض والقمر، أسيموف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة

قرأت لك: رواية جريمة عالم للدكتورة أميمة خفاجي بين الخيال العلمي وأدب الجريمة 1. الحكاية: تحكي الرواية عن عالم في الهندسة الوراثي...