قصة قصيرة ... على قدر الحاجة

على قدر الحاجة

سار الأمير مع حراسة متخفين في زي سكان المدينة، وبينما يتفقدون الرعية، رأى ولي العهد امرأة فقيرة تجلس في الطريق لتبيع المناديل الورقية، ويعطيها البعض صدقة فتأخذها راضية.

ولي العهد : سيدي الأمير... هل تسمح لنا بشراء كل بضاعة تلك السيدة حتى تذهب إلى بيتها في هذا الطقس البارد، وتدعو لكم بالصحة وطول العمر.

الأمير: هي لا تبيع البضاعة بل تستجدي بها، ومهما اشتريت منها فلن تقنع.

ولي العهد : أدام الله عزك، سيدة فقيرة من الشعب تحتاج إلى من يكفيها حاجتها.

الأمير : اشتر بضاعتها كل يوم لمدة شهر واخبرني بالتطورات.

ولي العهد : رعاك الله سيدي الأمير.

مر شهر بعد أن وكل ولي العهد من يشتري بضاعتها بالكامل كل يوم لمدة شهر، وبعد مضي الشهر استدعى الأمير ولي العهد وسأله.

الأمير : ماذا فعل الله بتلك الفقيرة التي كنتم تشترون بضاعتها كل يوم، هل اكتفت ورضيت ومكثت في بيتها بعيداً عن البرد والمطر.

ولي العهد : سيدي الأمير .. لا ادري ما أقول لك.. بعدما اشترينا بضاعتها أول ليلة أسرعت إلى منزلها وأحضرت المزيد من المناديل الورقية.

ضحك الأمير ومال برأسه كأنه يقول أكمل.

ولي العهد : اشترينا البضاعة الجديدة، فأسرعت واحضرت بضاعة جديدة بعد ان اشترتها بسرعة من تاجر الجملة.

الأمير : وماذا بعد؟

ولي العهد : أخبرناها أن تظل في البيت وأن تعطيها نقود بلا بضاعة.

زادت ابتسامة الأمير وقال:

الأمير: هل عادت إلى البيع؟

ولي العهد : نعم يا سيدي، كانت تأخذ المال منا وتشتري به بضاعة وتبيعه في مكان آخر، اصفر لونها، وشح نظرها، وحرمت نفسها أكثر من ذي قبل لتزيد حصتها في البيع.

ضحك الأمير حتى بدت نواجزه وقال:

دعوها لأنها طماعة ولن تشبع، دفعنا المال إليها لنريحها فأتعبتنا وأجهدت نفسها، وجود المال كان نقمة عليها، لما زاد المال زادت البضاعة وبالتالي بذلت جهداً أكبر، إنها لا تحتاج المال لسد رمقها، إنها تحتاجه جشعاً وطمعاً في الدنيا، المفروض أن يعمل الانسان على قدر طاقته ويصرف بقدر حاجته.

إن مهمة الحكام ليست فقط توفير الحياة الكريمة لشعوبهم، بل هي الارتقاء بحياتهم وأفكارهم وعقولهم نحو الكمال لكي تكون الحياة بالنسبة لهم رسالة أمان وأمن وحب بين البشر بعضهم ببعض وبينهم وبين خالقهم,